إن انتشار ظاهرة تفسير الأحلام يدل بلا شك على انتشار الأحلام ذاتها، ولكن السؤال الملح يقول : لمَ يلجأ الإنسان إلى البحث عن تفسير لقصصه الليلية..؟ الفراغ الفكري والعملي وعدم البحث عن الحلول وضعف منهجية التفكير العلمي هي سبب هذه الظواهر، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي. المجتمعات بتكويناتها المجتمعية والسياسية والاقتصادية مثلها والبشر تخلد إلى النوم وتتعب وترتاح، ومن الطبيعي أن تنام المجتمعات ولكن نومها يختلف باختلاف صحتها الحضارية والعلمية فهناك مجتمعات تنام نصف نهارها، وهناك مجتمعات نائمة منذ زمن بعيد ولم تصحُ، وهناك مجتمعات لا تنام إلا أوقاتاً قليلة. أثناء النوم تكثر الأحلام، وكثيراً ما تحلم المجتمعات ولكن أحلامها تختلف عن البشر فهناك علاقة طردية بين الأحلام، ومدة النوم فكلما طال نوم المجتمع كثرت أحلامه وأضغاثه لذلك فالمجتمعات كثيرة النوم لديها أحلام وأضغاث كثيرة، ولكنها لا تجد طريقها إلى الواقع فتظل أحلاماً ليس لها معنى. هناك أمثلة كثيرة يمكن أن نسوقها فمثلا المجتمعات العربية هي أكثر شعوب العالم أحلاماً ولكنها اقل شعوب العالم تحقيقاً لهذه الأحلام، فعلى المستوى الاجتماعي تحلم المجتمعات العربية بأن تكون مجتمعات متحضرة وناضجة، وتحلم أنها تسود العالم وتحلم أن لديها مفاتيح فكرية وثقافية لكل شيء، وتحلم أنها لو سادت العالم لقدمت له حلولا لمشكلاته بينما هي لا تستطيع أن تقدم شيئا لنفسها لأنها تضع شرطا مسبوقا للعالم كي تحقق أحلامها. العرب ليسوا امة متخلفة، العرب بشكل خاص والمسلمون بشكل عام أمة ظلت وسوف تظل تحلم بأنها الأفضل ، وسوف يظل العنصر الأهم في تحويلها إلى أمة منتجة مفقوداً لقرون طويلة ، فكل فرد عربي دون استثناء يستطيع أن يسرد لك المشكلات التي يعاني منها مجتمعه دون توقف بل إن قدرة الفرد العربي على تحديد مشكلات مجتمعه تفوق كل مجتمعات الأرض، ولكن لا يمكن أن تجد فردا عربيا واحدا يحاول حل هذه المشكلات مع العلم أن الجميع يقدم الحلول المثالية ليس لأنه لا يستطيع بل المشكلة تكمن في كونه لا يعرف كيف تحل، هذه هي الأحلام التي نتحدث عنها، والنوم الذي نتحدث عنه هنا هو نوم هذه المجتمعات بطريقة غريبة فبينما هذه المجتمعات نائمة تعمل خلايا عقولها من خلال الأفراد بحيث تحلم ثم تحلم وهكذا تستنفد حياتها حالمة. السؤال الذي يمكن طرحه هنا يقول ما الذي يمكن عمله لإيقاظ المجتمعات العربية وإيقاف أحلامها..؟ المشكلة لا تبدو سهلة والجميع وعبر سنوات طويلة تحدث عن مشكلة العرب ولكن لنفكر هذه الأيام بطريقة جديدة لا تعتمد على الأيديولوجيات، ولا الأفكار بل تعتمد على فكرة يمكن تسميتها (التفاعل والتواصل الحضاري). التفاعل والتواصل الحضاري هو القدرة على دفع الجيل الجديد من الشباب العرب إلى جلب المعرفة من خلال الإبحار في وسائل الاتصال الحديثة عبر جلب تقنية التواصل الاجتماعي إلى مؤسسات التعليم، وتخصيص أوقات دراسية للاستفادة من هذه الوسائل التقنية للتواصل مع العالم، ومعرفة الأبعاد الاجتماعية والفكرية للمجتمعات العالمية ومنها بالتأكيد المجتمعات المتحضرة كل ذلك يمكن أن يتم بهدف اختبار قدراتنا الفكرية والاجتماعية على تقديم ما نعِد العالم به من حلول أو البحث عن حلول متوازنة. المجتمعات العربية الحالمة تكمن مشكلتها في أنها نقلت عدوى أحلامها إلى أفرادها أيضا.. لقد تداخل نوم المجتمع مع نوم أفراده فكريا واجتماعيا فأنتج أمة حالمة ليس عاطفيا بل حالمة بخلاصها مما هي فيه بل إنها مجتمعات تنتظر معجزات كبرى ليموت العالم وتبقى هي وحدها. لقد كنتُ أعتقد أن مشكلة تفسير الاحلام متركزة في مناطق بعينها في عالمنا الإسلامي ولكن المتابع لما يحدث يدرك أن عشرات الوسائل التلفزيونية والالكترونية تنتظر كل صباح ومساء ما يجود به النائمون من قصص، لكي يتم تفسيرها وفقا لقواعد اجتماعية أحيانا وعقدية أحيانا أخرى. إن انتشار ظاهرة تفسير الأحلام يدل بلا شك على انتشار الأحلام ذاتها، ولكن السؤال الملح يقول : لمَ يلجأ الإنسان إلى البحث عن تفسير لقصصه الليلية..؟ الفراغ الفكري والعملي وعدم البحث عن الحلول وضعف منهجية التفكير العلمي هي سبب هذه الظواهر، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي. ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً يمكن لنا تحليل الفكر السياسي الذي ساد المجتمعات العربية التي تعرضت للثورات فعلى سبيل المثال كل المحاولات التي تم اللجوء إليها من قبل القادة الذين سقطوا أو في طريقهم إلى السقوط تعيد نفس السيناريو ويتساءل الكثيرون منا لماذا لا يستفيد المتأخرون من تجارب الدول التي سبقت في الثورة؟! نحن نلاحظ أن نفس السيناريو يتكرر في جميع الدول والسبب في ذلك أن هناك فرقاً، قد لا يدركه الكثيرون، بين أن تحلم في أن هذا الأسلوب الأمني أو السياسي هو الحل المفيد، وبين أن توجد حلًا علمياً لما يجري على الارض، ففي كل الدول العربية التي قامت فيها الثورات كانت الحلول تقوم على فرضية واحده وهي الحلم بأن هذا الحل سيكون هو الأنجع لهذه المشكلة دون منهجية علمية فيتم تطبيقه. ولأنه مجرد حلم في أن هذا الأسلوب السياسي أو الأمني سينجح ، يفاجأ الجميع بفشله وهذا ما حدث فعلياً في الثورات العربية جميعها فهناك أحلام ولكنها ليست حلولاً منطقية وعلمية ولذلك من الطبيعي أن تواجه بالفشل. إن انتشار ظاهرة الأحلام بكل مقاييسها سواء في حل المشكلات أو في تغيير اتجاه حياة الفرد أو المجتمع إنما يعبر عن خنق القدرة المعرفية والعقلية لدى المجتمع أو أفراده، وتحويلها إلى قصة مستقبلية يتصور الفرد والمجتمع انه يمكن تحقيقها. لقد أصبح من المهم اجتماعياً البحث عن مَواطن الخلل في التركيبة الاجتماعية والفردية فقد كشفت لنا الأحداث والتاريخ عن أن المجتمعات العربية والإسلامية تتحدث عن حلول جاهزة لديها لكل مشكلات العالم بل إن هناك الكثير من يردد أن هناك حلولاً لكل شيء ولكن الأزمة الحقيقية التي نواجهها أن العالم الإسلامي بفكره وحلوله المفترضة لم يختبر هذه الحلول على أرض الواقع. إنه على مر التاريخ الفكري للمجتمعات العربية والإسلامية نجد أن هناك إرثاً فكرياً وتاريخياً كبيراً يؤكد أن الحلول للمشكلات موجودة في ثنايا الفكر المجتمعي الذي يعتقده البشر، ولكن هذا الفكر لم يُختبر يوماً بشكل حقيقي لندرك هل يملك كل هذه الحلول أم لا..؟! لقد أنتج هذا البعد المجتمعي شعوباً تعاني من انفصال مستمر بين واقعها، وبين أحلام تجدها في ثنايا فكرها المجتمعي تجبرها بأنها تملك الحلول الجاهزة لكل شيء. لقد أصبح من الواجب أن نعيد قراءة فكرنا المجتمعي بشكل صحيح بعيد عن الأحلام. فقد أثبت التاريخ انه لا توجد حلول يمكن تداولها فكرياً دون أن تُختبر على ارض الواقع المجتمعي فالمطلوب اليوم هو الكفّ عن سرد الأحلام في الحلول دون أن تكون التجربة العلمية والعملية هما المقياس للحقيقة، وهذا ما يفسر أن لدينا أناساً ممسكين بزمام التوجيه الفكري في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يعتمدون السرد من التاريخ بينما لا يعرفون التجارب الواقعية أو كيفية التعامل معها..