سؤال كهذا لا يُفارق المشاهد فضلاً عن المراقب لواقع المجتمع السعودي المهووس بتصفح الإنترنت, هذا المجتمع الذي يحتل المرتبة الثالثة على المستوى العربي بعد مصر والمغرب ضمن قائمة "المجتمعات العربية الأكثر تصفحاً للإنترنت", بل إن السعودي يقضي زمناً أطول مما يقضيه المستخدم البريطاني والفرنسي والألماني, وذلك وفقاً للدراسة المهمة التي أجراها الباحث السعودي خالد الفرم. وقبل الإجابة عن السؤال أعلاه, سأضع أمام عينيك عزيزي القارئ بعض الأرقام والإحصائيات والنسب المذهلة, بل المخيفة للعلاقة الملتبسة والمعقدة التي تربط المتصفح السعودي بالإنترنت, هذا الفضاء الواسع الذي لا حدود له, أرقام وإحصائيات فرزتها بصعوبة من أكثر من تقرير وبحث ودراسة أجريت على المجتمع السعودي من قبل بعض المؤسسات والمراكز البحثية الموثوقة, أهمها هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية, ومركز "أسبار" للدراسات والبحوث والإعلام, والدراسة الرائعة التي أعدها الباحث السعودي خالد الفرم, وهي أول رسالة ماجستير سعودية في هذا المجال بعنوان "شبكة الإنترنت وجمهورها في مدينة الرياض", إضافة إلى بعض المقالات المتخصصة بهذه العلاقة المثيرة التي تربط المتصفح السعودي بمختلف شرائحه العمرية والفكرية والاجتماعية بفضاء الإنترنت, هذا الفضاء الواسع الذي لا يعترف بالحدود أو القيود, بل إنه تقريباً لا يعترف بشيء سوى تدفق البيانات والمعلومات والعلوم والأفكار والخبرات والتجارب والثقافات بشكل رهيب جداً هو أشبه بطوفان أو ما يعبر عنه عادة في الأدبيات التكنولوجية ب "ثورة المعلومات", ويبدو أن هذا الوصف الدقيق يتناغم كثيراً مع كل ما يحدث هذه الأيام من ثورات وتطورات واحتجاجات تجتاح العالم, لا سيما العالم العربي الذي استطاع ولأول مرة في تاريخه الحديث أن يُصدّر شيئاً من إنتاجه, ولحسن الحظ أو لسوء الحظ حقيقة لست أدري كانت "الثورة" التي طالما استوردها من الخارج هي الآن التي يصنعها ويُروج لها, بل ويُسوقها في بعض البلدان الثورية. والآن, جاء دور الأرقام والإحصائيات التي تميز المتصفح السعودي عن الآخرين, سواء في العالم العربي أو العالم بأسره, ولكن قبل ذلك, هذه إحصائية صغيرة جداً عن معدل الاستخدام العالمي للإنترنت, حيث بلغ عدد مستخدمي الإنترنت بنهاية عام 2010م ملياري مستخدم من مجموع سكان العالم البالغ 6 مليارات و800 مليون نسمة, أي ما نسبته 29% من سكان العالم, في حين بلغ عدد المستخدمين العرب للإنترنت في نفس العام أكثر من 60 مليون مستخدم, أي ما نسبته 20% من تعداد السكان في الدول العربية و3% من تعداد المستخدمين في كل العالم, كما تحتل اللغة العربية المرتبة الثامنة ضمن أكثر لغات العالم استخداماً للإنترنت. أما الأرقام والإحصائيات السعودية فكثيرة جداً, ولكنني انتقيت منها الأكثر دقة وشفافية, فمن بين 18 مليون مواطن سعودي وفقاً لتعداد العام الماضي, يستخدم أكثر من 10 ملايين سعودي الإنترنت, وهي نسبة عالية جداً مقارنة بالدول المتقدمة, ولكن يبقى السؤال حائراً, ماذا تتصفح كل تلك الملايين؟. حيث تُشير تلك الدراسات إلى أن أول 50 موقعاً يتصفحه السعوديون لا يوجد به أي موقع إسلامي, وتلك مفارقة عجيبة لا أجد لها تفسيراً مقنعاً في مجتمع له خصوصيته الدينية الفريدة. وخلال الأشهر الستة الماضية فقط حجبت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية 240 ألف موقع إلكتروني تُشكل المواقع الإباحية 95% منها. كما تُشكل مواقع الخدمات ما نسبته 36% من المستخدمين السعوديين للإنترنت مما يؤكد وبشكل قاطع الثقافة الاستهلاكية التي تُسيطر على فكر ومزاج المجتمع السعودي, أما المواقع الإعلانية فتُمثل ما نسبته 8%, ومواقع الدردشة والترفيه تستقطب 26% من المتصفحين السعوديين وهي نسبة عالية جداً لها دلالتها السلبية على ثقافة العبث وإضاعة الوقت التي تُهيمن على غالبية شبابنا, أما المواقع الإخبارية والصحفية فنسبة متصفحيها لا تزيد عن 4% وهي نسبة ضئيلة جداً مما يدل على عدم الاهتمام بمصادر الأخبار والمعرفة, والنسبة نفسها لمواقع البرمجيات والمواقع الرياضية والمدونات, في حين تبلغ نسبة تصفح مواقع الأغاني والأفلام 6%, ومثلها للألعاب, أما المواقع العلمية فنسبتها (صفر%) وهي نسبة متوقعة نتيجة لغياب القناعة الحقيقية بأهمية العلم والمعرفة عن ذهنية مختلف شرائح المجتمع, أما المواقع الإباحية فنسبتها الدقيقة غير مسجلة ولكنها متخيلة. إنها أرقام وإحصائيات كثيرة ومثيرة ومخيفة, ولكنها تعكس الواقع الحقيقي للمجتمع السعودي, كما أنها قد تُجيب عن السؤال أعلاه!