نُشرت قبل عدة أيام دراسة فرنسية بعنوان "الفرنسيون والإنترنت: أرقام وحقائق"، وهي دراسة كبيرة تقع في 233 صفحة، اعتمدت فقط على خلاصتها التي كانت مليئة بالأرقام والإحصائيات والجداول والبيانات. وقد انتقيت ثلاث إحصائيات فقط وجدتها مدهشة وملفتة وقد استعين بها لاحقاً لعمل مقارنة أو مقاربة لا فرق مع المجتمع السعودي. تُشير الدراسة إلى أن 59% من الفرنسيين يشترون عبر الإنترنت الكتب والمجلات والصحف الرقمية مما سبب تراجعاً ملحوظاً في مبيعات تلك المنتجات الورقية. كذلك جاءت شبكة الإنترنت في المرتبة الثالثة ضمن طرق الزواج بين الفرنسيين، حيث تجاوزت النسبة ال 33% من الفرنسيين الذين توجت علاقاتهم وصداقاتهم "الرقمية" بزيجات أو خطوبات معلنة، أي أن الإنترنت الفرنسي قام بدور "الخطابة" بين أوساط المجتمع الفرنسي. أما الرقم الثالث، فهو الأهم بين كل تلك الأرقام التي جاءت في تلك الدراسة الرائعة، حيث يقوم 88% من الفرنسيين الذين شملتهم الدراسة بعمل كل إجراءاتهم الخدمية والمصرفية عن طريق شبكة الإنترنت مما ساعد كثيراً في انخفاض عدد المراجعين لتلك البنوك والدوائر والمؤسسات، فغالبية الشعب الفرنسي يُفضل "ضغطة" زر صغير من حاسبه المحمول لإنهاء مصالحه المختلفة، خاصة في ظل تقدم وتطور النظام الإلكتروني الذي يُغطي كل شيء تقريباً هناك. نعم، هناك بعض الأرقام المثيرة بالنسبة لنا طبعاً التي جاءت في ثنايا تلك الدراسة الفرنسية، ولكنها تظل مقبولة إلى حد ما في مجتمع لا يتشدق عادة بالفضيلة والعفاف، ولا يدّعي الخصوصية والمحافظة. بمجرد أن تصفحت تلك الدراسة على عجل حدثتني نفسي والنفس كما نعلم أمارة بالسوء عن الصدى الذي ستحدثه دراسة مشابهة ولكن هذه المرة باتجاه الوطن! سأضع أمام عينيك عزيزي القارئ بعض الأرقام والإحصائيات الوطنية التي جمعتها كلما سنحت لي الفرصة عن العلاقة بين المجتمع السعودي والإنترنت. فمثلاً أشارت دراسة حديثة إلى أن أول 150 موقعاً يتصفحه السعوديون لا يوجد بها إلا موقع إسلامي واحد جاء في المرتبة ال 142 وهو موقع "طريق الإسلام"، وتلك مفارقة لا أجد لها تفسيراً مقنعاً!. وفي استطلاع آخر يُشير إلى أن أكثر من 92% من مستخدمي الإنترنت في السعودية يتصفحون مواقع إباحية، و7،3% يتصفحون مواقع محظورة كالتي تروج المخدرات أو تدعو للتمييز. أما هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية فقد أعدت دراسة حول المواقع الإلكترونية التي تجذب المتصفح السعودي ونشرتها في موقعها الإلكتروني، حيث يأتي إرسال واستقبال الرسائل عبر البريد الإلكتروني والمشاركة في المنتديات وغرف الدردشة في المرتبة الأولى بنسبة 77%، يليه الترفيه والتسلية وتنزيل البرامج. ولنا مع محرك البحث الشهير "قوقل" حكايات غريبة وأرقام معيبة، فمعظم سجلات البحث الخاصة بنا تتركز فقط في طلبات الأغاني ومواقع الدردشة والعلاقات والفضائح والصور ولعبة "ترافيان"، كما يتضمن البحث القادم من حواسيبنا أكثر من 40 لفظاً غير مقبول. دراسة أخرى أشارت إلى أن المستخدم السعودي يقضي زمناً أكثر مما يقضيه البريطاني والفرنسي والألماني، ولكنها لم تُشر أي تلك الدراسة إلى الفضاء الذي يسبح فيه ذلك المستخدم. وتُضيف أيضاً إلى أن أغلب المستخدمين من العزاب يفضلون التصفح بصفة فردية! أما مركز "أسبار" للدراسات والبحوث والإعلام، وهو من أهم المراكز البحثية العربية التي تتمتع بمهنية عالية واحترافية شديدة ويحظى بشهرة واسعة وبمصداقية كبيرة، فقد قام بإجراء دراسة رائعة استغرقت أكثر من 8 أشهر وجاءت في 573 صفحة، وتكونت عينة الدراسة من 2170 فرداً من مختلف مناطق السعودية. وبشيء من الاختصار، تُشير الدراسة إلى أن 52% من المواطنين والمواطنات الذين شملتهم الدراسة يستخدمون الإنترنت، ويقضي 37% منهم أكثر من ساعتين يومياً، وتعتبر الفترة من 6 مساء إلى 12 ليلاً هي أكثر الفترات الزمنية استخداماً. كذلك يُفضل 82% استخدام الإنترنت في المنزل، في حين لا تتجاوز النسبة 8% في المدارس والجامعات، كما أكد أكثر من 83% بأن الإنترنت يُعتبر وسيلة جيدة للتعبير عن الرأي، ويُبدي غالبية المستخدمين انزعاجهم من عبارة "الوصول للصفحة غير مسموح به". قد تكون الأرقام والإحصائيات التي غص بها هذا المقال كثيرة ومثيرة ومخيفة ولكنها تعكس الواقع الذي يعيشه المجتمع السعودي، لاسيما فئة الشباب التي تُعاني الكثير من العقد والإحباطات والصعوبات. بحلول عام 2011 سيصل عدد مستخدمي الإنترنت في العالم لأكثر من مليارين، ولكن يبدو أن المقارنة بين المستخدمين هنا وهناك لن تأتي في صالحنا أبداً!