المتابع للهجمة الشرسة الموجهة لوزير التربية والتعليم يتصور أننا نعيش واقعين، أحدهما حقيقي، والآخر افتراضي؛ يسعى لإشعال جذوة وجوده الواهمون، لدرجة تجعل الفرد حائراً بين سمعه وبصره، أيستمع لادعاءات المدعين، أم يبصر واقعاً مناهضاً لا يمت لتهويماتهم بصلة؟ إلا ما بين الحق والباطل من نأي وافتراق! بالطبع؛ المناهضون للتغيير ترتبط مصالحهم بتخلف المجتمع وعزلة الفكر الواحد، وأكبر تحدٍ يواجههم هو إصلاح التعليم، لذلك تركّز جحافل التشدد جهدها اليوم وترمي بثقلها المتشدد على التعليم لمناهضة تطويره، منظمة حملاتٍ ضد وزير التربية والتعليم ابتدأها كالعادة قائد قوة التطرف يوسف الأحمد متهماً الوزير بأنه "يتولى مشروع إفساد الطالبات واختلاطهن بالرجال"، ثم استلمها ناصر العمر متهماً الوزير بمخالفة كتاب الله وسنة رسوله والعهود التي بايع عليها قادة هذه البلاد شعبهم، وبأنه "يعلم أبناءنا التمرد على شرع الله وسنة رسوله وولاة الأمر، ويعبث بدين الله"!! ثم حدد المصيبة العظيمة التي أجلب لها التهم المغلظة ب"الاختلاط"، قاصداً اجتماع الوزير بالطلبة والطالبات لمناقشة مشاكلهم والاطلاع على رؤاهم واقتراحاتهم. كل التهم الخطيرة والمتعدية الموجهة لدين وإيمان وفضل الوزير سببها الاختلاط، أي وجود المرأة!! اتخذت لغة الهجوم الحركي التجييشي على وزير التربية والتعليم أساليب التهييج والشحن الجماهيري، الشكل الذي تجاوزته الدول بمؤسساتها الرقابية التنظيمية، ولم تعد بحاجة لفوضاه الاعتباطية، إلا أن الواقفين في وجه الزمان يصرون على الفوضى والإخلال بالنظام والأمن بطريقة هوجاء لا يصح السكوت عنها، كيف ودعواهم مقترنة بالافتراء والمبالغة والتجني، وتحيّن عقوبة الله التي باتت وهماً يُستنفر لإرهاب الناس بانتظار حلوله. في الوقت الذي يدعي العمر الخوف على الأمن يواصل الشحن، معلياً نبرة المبالغة والتهويل، بدعوى أن اجتماع الوزير بالطلبة والطالبات "تحدٍ يؤدي لتقويض الأمن بل أخشى أن يؤدي إلى تقويض الدولة، هذا الذي يسبب ظهور الناس في مظاهرات، لأنه عندما يشحن الناس في دينهم وعقيدتهم، في أبنائهم وبناتهم لا يأتي ويقول لنا آباء البنات والبنين راضون "هل الاختلاط يهدد الدين والعقيدة؟! ويواصل الخلط بين رضا أولياء الأمور لأبنائهم بالجهاد وبين رضاهم باجتماعهم بالوزير بأسلوب يفتقر للمنطق والعقل والرؤية الدينية المعتبرة، وكأنه لم يبلغه بعد أن الناس تغيرت ولم تعد تساس سوس القطيع التي تسمع وتطيع، بل تفكر وتفهم وتميز بين رضا أولياء الأمور"الآباء والأمهات"، ورضا ملك البلاد، فالمجتمع أصبح أكثر اعتدالاً في الرؤية والتطبيق، وقادرا على حسم مواقفه وتوجهاته دون وصاية من أحد. يستنكر العمر شعور الوزير بإيمانه تجاه ما يقوم به "دعواه أنه لا يخالف الشريعة، أصبح مفتياً وهذه من الدواهي والله، رجل لا يعرف من العلم شيئاً يصبح مفتياً؟ هل أتانا بوثيقة من هيئة كبار العلماء"، وهل الأمر باتباع الشريعة يلزم صاحبه إحضار صك براءة مصدّق من هيئة كبار العلماء؟! إنها آلام رموز الصحوة من صحوة العقول. مازال المتطرفون يصورون أنفسهم حماة للدين أكثر من رسول الله الذي كان يختلط بالنساء ويكلمهم ويزورهم، ويحيرون العقول في أمر حلال ، بل من لوازم الطبيعة والحياة وهو الاختلاط في أماكن عامة ليصوروه تهمة وجريمة، فكيف يكون الاختلاط العارض الذي سمح به بعضهم ودافع عنه عندما مارسه؟! أليس هو ذاته ما قام به الوزير في اجتماعه بالطلاب والطالبات؟!، بل إنه ألزم في حقه إذ هو من صلب مسؤولياته التربوية، لكنه الكيل بمكيالين لصالح الرجال على حساب الحق.. تخيلوا منظر الاختلاط في الجنادرية وأبدلوا الوزير بداعية، سينقلب الاختلاط المحرم حلالا وعارضا، وتصبح الأهداف خيرية بعد أن كانت شراً محضاً! ويكمل العمر المشهد المتخيل لحساب اللغط والفوضى بالتهديد "أقول له بالحرف الواحد أبناؤنا وبناتنا ليسوا حظيرة خيل تتصرف فيها كيف تشاء، أبناؤنا وبناتنا ليسوا إماء ورقيقا تعمل بهم ما تشاء" وعبارة "رقيق وإماء، ويعمل بهم ما يشاء"، نتاج التجني المنفلت من عقال المنطق والعقل، فهل أرغم الوزير الطالبات على الحضور للجنادرية والاجتماع به؟!، ثم يتساءل "أيليق بهذا أن يكون وزيراً للتربية نسأل الله أن يعامله بعدله، إنه يريد إفساد بناتنا وأبنائنا، فكيف يؤتمن على التعليم"، إفراز نظرة الفساد المشتركة التي ينظر لها الشكاكون في أي اجتماع طبيعي ومشاركة بناءة، لاستمرار عجلة الحياة والطبيعة. يتباكى العمر على معارضة المطاوعة تعليم المرأة قبل خمسين سنة ويصفها بالنظرة البعيدة والعميقة جدا، لاستقراء علمائه ما آلت إليه الأمور من الاختلاط، فهل كان الملك فيصل مخطئاً في قرار تعليم المرأة؟! ربما الجواب عند الفقيه العمر!!، ثم يستحضر في خطبته الاستنفارية آياتٍ أخرجها من سياقها ليجمع فيها رؤية الإصلاح التي يتبناها الوزير بدعوى الإصلاح التي ادعاها فرعون، ليمثل قمة التعدي والجرأة على حق المسلم على المسلم "يقول فرعون ما أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد"، والسؤال البارز من الذي لا يُري الناس إلا ما يرى؟!، ومن الذي يتعدى على خيارات مجتمع بأكمله؟! ينفذ وزير التربية والتعليم مشروع الملك عبدالله لإصلاح التعليم بينما ينسف العمر المشروع بتساؤل يختزل المشروع كله في الفساد "أي شيء قدم للوزارة منذ توليه إلا مراحل الفساد التي نراها عيانا بيانا"!! ما قدمه وزير التربية والتعليم يحتاج لمقال مستقل سأتناوله لاحقاً لتأصيل الحقيقة وكشف عوار التجني والهجوم من جماعة المتشددين بلا حساب.