د. يوسف بن عثمان الحزيم - الاقتصادية السعودية الحياة لعبة فيها خاسر ومنتصر ولا تقبل التعادل، ومن الناس من ينتصر أو يخسر بالنقاط وآخرون بالضربة القاضية، ونتائج المباراة يحددها استعداد اللاعب المبكر بدنياً وذهنياً واستعانته بأفضل الخبراء الذين حنكتهم التجربة، ثم يضع الخطة التكتيكية المناسبة لمرحلته العمرية. وأفترض أن الثري عادة يكون عمره فوق الخمسين ويحتاج فيها إلى نصيحة أقولها له في أذنه اليسرى دون أن يسمعنا أحد .. العبها صح وخذ بهذه الخطوات دون الاستماع لمن يريدك أن تكون قطاراً يركب عليه: 1) في يوم ما ستموت، قال تعالى: ""كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"" سورة آل عمران آية 185. إن لديك القوة لتملك أي شيء ولكن لا تستطيع أن تمد في عمرك، قال تعالى: ""إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"" سورة لقمان آية 34. إذاً في يوم ما ستموت، وعليه فإنك كأي شيء في الحياة إلى زوال، قال تعالى: ""ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"" سورة الرحمن آية 27. الموت مزعج ولكنه يا صاحب اللب هو حقيقة عليك أن تقبل بها، ومهما حاولت الهرب منه سيفاجئك وأخشى أن يقضي عليك بالضربة القاضية دون إنذار مسبق .. إن حياتك رحلة تبدأ بتاريخ وتنتهي بتاريخ، فالزمن محدود وعليك أن تبذل قصارى جهدك في التخطيط له ثم إدارته وفق ممارسة متوازنة تشبع فيها رغباتك الفطرية ثم تبتغي الدار الآخرة وتحسن كما أحسن الله إليك بالصحة والعقل والمال. 2) فريق العمل: تخلى عن المركزية وفوض أكثر صلاحياتك لمن تثق بقوته وأمانته، قال تعالى: ""قالت إحداهما يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين"" سورة القصص أية 26. أي أن تفكر أكثر مما تعمل وتترك طاقتك المتبقية لأشياء أخرى سوف يرد ذكرها تالياً .. إن التفويض يتعارض وميول الإنسان الفطرية الجامحة نحو التملك والاستحواذ، وقد يكون هذا مبررا في مقتبل العمر أما الآن بطاريتك بدأت تنفد، ولا داعي للعنتريات التي عليك أن تتركها للشباب، عليك الاعتماد على الآخرين والثقة بهم. 3) اهتم بأبنائك: لا أحد يشك في أن السعي وراء المال له ضريبة، فقد انشغلت ببناء ثروتك وتركت أبناءك معنوياً ""التربية بالقدوة"" في أهم سني أعمارهم وهي النشأة بين سن ""3"" سنوات و""12"" سنة، وستكتشف فيهم أمورا: (أ) ضعف التحصيل العلمي؛ ذلكم أنهم افتقدوا الحافز للتفوق لانتفاء الحاجة أمام ما يغدق عليهم الأب مادياً لتعويض انشغاله في بناء الذات والثروة بالتدليل الزائد عن الحد في مقابل القمع الزائد عن الحد عند الفقراء. (ب) إن المال سيبني أبناء ضعيفي التأهيل الشخصي والحجة، قال تعالى: ""أومن يُنشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين"" سورة الزخرف آية 18. (ج) إن الثروة قد تعطي أبناءك جرعة ثقة موهومة مرتكزة على فهم خاطئ للحياة بأن المال هو محدد النجاح وسينظرون للآخرين بدونية. لذا إن كنت مشروع ثري فعليك الاحتراز بأن تبعثهم لمدارس مرموقة دولياً بعد أن تتأكد أن لديهم الجرعات العقائدية التي تحميهم من التغريب، أو الاستعانة بخبراء مع بقائهم في مدارس وطنية ممتازة، وإن كنت ثرياً ووقعت الفأس في الرأس فعليك ألا تبكي على اللبن المسكوب وإنما عوّض بالاهتمام واستدراك ما مضى واعتن بأحفادك وانقل الحنان والخبرة لهم. 4) نوع استثماراتك: في مرحلة النمو عليك بالاستثمار الرأسي والتركيز في مجال محدد تملك فيه الخبرة والنجاحات المتراكمة، مع أخذ المبادرة والمخاطرة المحسوبة في استثمارات عالية المخاطرة والأرباح كالأسهم، وإياك وفوضى التنوع. أما فوق الخمسين فإن هدفك الاستثماري هو الاستقرار عبر تحويل مؤسستك الفردية أو شركتك ذات المسؤولية المحدودة إلى شركة مساهمة عامة مقفلة أو الاندماج مع شركات أخرى كبيرة أو صاعدة أو بيعها والاحتفاظ بنسبة 25 في المائة منها ثم التوجه لاستثمارات متنوعة تعتمد في إدارتها على صناديق عقارية وبضائع وصكوك إسلامية تديرها شركات مالية مرموقة مع تنوع جغرافي ""مخاطر سياسية"" وتنوع في العملات ""مخاطر أسعار الصرف"" وهنا ستقع في صراع نفسي داخلي حول التحوّل، فأنت ترغب في الهدوء والسلام وترغب في الاستمرار فيما أنت عليه، وهذا محال لن يتحقق لك البتة وعليك التضحية بإيراداتك الموعودة التي ستكون أرقاما إضافية لا نفع منها، وسيستمتع بها الورثة بعد عمر طويل مع الدعاء لك يوم الجمعة حينما يقول الخطيب اللهم أغفر لموتانا فيقولون: آمين مع العلم أنهم دائماً يأتون متأخرين عند إقامة الصلاة ولا يدركون الدعاء حتى. 5) عدد زوجاتك: استمتع بالزواج من ثانية وثالثة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ""حبب لي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة"" أخرجه النسائي. وعليه فإن المال لا يليق بك دون امرأة جميلة تعوض بها ما فاتك، ولا سيما أن الأبناء قد كبروا وشقوا طريقهم في الحياة، وإياك أن تقول تلك النكتة السمجة حينما يسألك أحد عن الزواج بثانية فتقول: أنا موحّد أو أن تتسول عيناك إحدى القنوات التي تركز على الجذب بالعنصر النسائي، متحسراً ومنافقاً، بل بادر واستمتع بحسب الظروف والوقت المتاح لك، فإن خيارات زواج المسيار هي أضعف المواقف إن كنت خائفاً البتة، ونصيحتي بالطبع لا تشمل من حباه الله امرأة ملأت عليه الدنيا!! أما أنت أيتها المرأة الثرية بعد ال 50 إن كان زوجك مُحبِطَا ومكروها ويعرضك لفتنة فلك أن تخلعيه غير مأسوف عليه وحياة جديدة سعيدة بلا نكد ولا تنسينا من صالح دعائك حينما تتوفقين بزوج جديد. 6) المستشار المالي: عين خبيراً مالياً ولا تبخل في استقطاب أفضل كفاءة محترفة ولديه اطلاع واسع بمختلف قنوات الاستثمار ويجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة مع فهم قانوني معقول ويدقق في التفاصيل، ويفضل أن يكون كبيراً في السن ليس لديه طموحات الشباب وعائلته معه كي تضمن استقراره، واحذر أن تكون له علاقات اجتماعية واسعة، بل كلما كان شرساً معقداً كان أحسن حتى لا يتجرأ عليه أحد بالرشوة، ثم عليك أن تستعين بأفضل مكاتب التدقيق المحاسبي من أجل المراجعة والتدقيق فلا تسلم رقبتك لأحد مهما وثقت به، فالمال لا يذيب الحديد بل الرجال أيضاً. 7) السكرتير الخاص: عين شاباً نشيطاً طلق الوجه يعمل لساعات طويلة تحت الضغوط، دقيق في المواعيد وينجز الأعمال الموكلة إليه بهمة لا تعرف التذمر ومأمون الجانب بمنزلك، نبيه مع الآخرين الراغبين في معرفة حياتك الخاصة .. إنك إن ظفرت به فعليك بإكرامه وحسن التعامل معه كأحد أبنائك مع إبقاء الحاجز الطبيعي مع أي موظف كان يعمل معك. إن بعض الأثرياء أغرقوا أنفسهم في تفاصيل الحياة فضيعت عليهم الحياة متعتها. 8) أماكن إقامتك: استعد للانطلاق لفهم جديد للمكان، فالمنزل ذو المكان الثابت مأوى للأسرة الكبيرة ودار ضيافة القريب والعزيز، تذهب وتعود إليه في روتين يومي لمزاولة عملك، أما وقد قررت تغيير نمط حياتك بعد أن كبر وخرج الأولاد فأصبح المنزل كبيرا جداً موحش الروح ومكلفا في الصيانة، لذا أقترح عليك أن تبيعه وتشتري بثمنه منزلا صغيرا وشقتين فالمنزل الصغير سيكون في مدينتك التي أحببتها وقد دَبّت روح الحياة فيه من جديد، في حين تشتري شقة في مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة من أجل غذاء الروح، وشقة في مصيف ممتاز لغذاء النفس والاستجمام، إن ثراء الحياة من تنوع المكان. 9) القراءة والثقافة: حرام على الإنسان أن يموت قبل أن يكتشف الحياة ومعارفها، ولا سيما في هذه السن والقدرة حيث هدوء البال، فالتّفكر والتأمل لا يتأتى إلا من إشباع العقل المشغول سابقاً بهموم العمل، وقد حان وقت الاستمتاع بالقراءة والتثاقف مع أقرانك بزيارة الصالونات وحضور المنتديات واقتناء الكتب وحفظها في مكتبة جميلة ومرتبة تعتني بشموليتها وتنوعها، وأنصحك بالابتعاد عن أي كتب ذات علاقة ببناء الشخصية وصناعة الثروة لأنها قد تؤجج فيك الحنين للعودة لأسلوب حياتك السابق، أما الآن فقد جاء دور الرواية والتاريخ والأدب واللغة وابتعد عن الثقافة السطحية، من تتبع الأخبار السياسية وتفاصيلها. 10) انضبط: يقول النبي صلى الله عليه وسلم لصحابي حينما سأله النصيحة: ""قل آمنت بالله ثم استقم"" رواه مسلم. أعتب على بعض الأثرياء كبار السن حينما يغرق في حفلات صاخبة ماجنة وتجده في لوبيات الفنادق أو مقهى تتقافز رقبته ذات اليمين وذات الشمال يتسول نظرة حب ثم يؤشر بالجوال لتلك الفتاة اللعوب .. أقول لهذا وأمثاله: استح على وجهك يا أخي فأيام الشباب الجميل ولت بغير رجعة وعليك الاعتراف بذلك ثم استقم وتنسك بخضوع القلب والإكثار من الذكر والعبادة ولا تنسى أن تتخلص من الودائع الربوية، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين. أما القضايا المرفوعة عليك في المحاكم فالله يحب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وبالله التوفيق. 11) أطل عمرك: إن العمر قابل للزيادة المعنوية والحسية، فزيارة الأقارب وصلة الأرحام وسيلة فعالة في بركة الوقت، بحيث تصبح ساعة سعادة خير من شهر نكد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ""من أراد أن ينسأ له في أجله ويبارك له في عمره فليصل رحمه"" أخرجه الحاكم. أما الزيادة الحسية فممكنة بالرياضة، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن من يمارس أي نوع من أنواع الرياضة تجعله في مستوى صحي من يصغره بعشر سنوات، كما لا تنسى أن تحافظ على بدنك بالعلاج الطبيعي الدوري وتكثر من استخدام المقويات والمكملات الغذائية ""الفيتامينات"" مثل العسل والحبة السوداء والفواكه المجففة والمكسرات. 12) خذ الحياة بالطول والعرض: بادر في قلب نظامك الغذائي بتعيين ""طباخ"" ماهر ذي نفس طيبة ولديه اطلاع واسع وثقافة صحية، واستعن على حوادث الدنيا بالنوم الهنيء العميق مرتاح الضمير فلا سفكت دم هذا ولم تسرق هذا ولم تظلم هذا ولم تغتب ذاك، وعش في عزلة إيجابية تحترم وتحسن الظن بكل الناس وتحذر من كل الناس باستثناء صديق مخلص ومثقف ومحب ومرافق خفيف الظل ""عيّار"". 13) هدئ اللعب: أهبط هبوطاً تدريجياً وإياك والغضب والانفعال لأتفه الأسباب وأنصحك بترياق شافٍ معافٍ ومجرب وهو إن أردت أن تعيش في هذا العمر بالتحديد هادئاً ساكناً مرتاحاً فعليك أن تهمل عامل الزمن ""طنش""، عليك أن تشتري رأسك فلا يثيرك أو يستفزك إلا الشديد القوي. 14) تخلص من المشروعات الفاشلة: احزم أمرك فما عاد في العمر بقية تستدعي أن تأمل في محفظة أسهم خائبة أو مشروع تجاري يستنزف مالك وجهدك دون عائد مقبول، أو شراكة يغلب عليها المجاملة والنفاق أو الخوف، أو منافسة حادة ومستقبل ينذر بتحديات كبيرة .. عليك أن تشتري رأسك مرة أخرى وحافظ على المشروعات المربحة معقولة الجهد فقط. 15) الوصية: خذ قلماً وورقة بيضاء ووصي بثلث مالك أو أقل .. اكتبها ولا تتردد .. اكتبها ولن تندم .. اكتبها وستغنم. وحبذا أن ينمو وقفك أمام عينيك فتسعد بسعادة الضعيف والمسكين وابن السبيل. إن بعض الناس يعيشون بعد أن يموتوا. أيها السعوديون الأثرياء ... تغيّروا أو ارحلوا.