الزوجية هي القاعدة الأولى التي ينطلق منها الوجود المخلوق عداه سبحانه وتعالى؛ فكل شيءٍ من الأناسي والحيوان والثمار و (الأفكار) خُلق زوجين وليس فرداً، وبغرض التزاوج (ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)، فالإنسان يولد من زوجين أب وأم، كذلك الحيوان والنبات، وكذلك الأفكار، فكل فكرة هي مولودٌ من أب وأم، وفروع وأصول.. (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ). وتزاوج فكرتين بشروط الزوجية يخصب العلاقة بذرية جديدة صحيحة البنية، ولكن مع هذا قد يحدث زواج ولا يحصل الإنجاب، بفعل عقم أحد أو كلا طرفي العلاقة. فالشرط العضوي أساسي في الزواج، ولا يتم الإنجاب بدونه، ولكنه مع هذا فهو شرط غير جامع ولا مانع. إذا فشلت العلاقة الجنسية فشل الزواج في الغالب، ولكن إذا نجحت فإنه لا يعني أن الحياة الزوجية في مركب استقرار، بل لا بد من الشرط الكامل (الجامع والمانع): (المودة والرحمة)؛ فحتى يأتي الأطفال إلى الدنيا لابد من زواج بين رجل وامرأة، وحتى يرى الحيوان ذريته من أي نوع لابد من زواج ذكره بأنثاه. وحتى يتم إثمار النبات لابد من اللقاح والزوجية؛ ف (ولادة) البشر و (تكاثر) الحيوان، و(إثمار) النبات يتوقف كله على التلاقح والزوجية؛ فالزوجية هي أس الكون وأساس الوجود المخلوق عداه سبحانه وتعالى. هذا القانون ينطبق أيضاً على الأفكار، باعتبارها وحدات مخلوقة؛ فشرط الخصوبة والتكاثر الإيجابي، بل وحتى السلبي في الوجود المخلوق هو الزوجية، وتعبير القرآن (من كل شيء) يجعل القاعدة تعم المخلوقات كلها، فتدخل دنيا الأفكار تحت هذه القاعدة، باعتبار أن كل فكرة هي (مخلوقة) من مخلوقات الله؛ فكما أن كل شيء مخلوق، كذلك فهو خاضع لقاعدة الزوجية. ولا تشذ الأفكار عن هذه القاعدة؛ ففكرة (أ) عندما تتزاوج مع فكرة (ب) يتولد منهما فكرة (ج)، وكما أن كل إنسان له أب وأم، كذلك فكل فكرة لها آباؤها وأبناؤها بل وأحفادها، وكما كان للبشر أبناء وحفدة (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة)، كذلك كان للأفكار ذرية صالحة وأحياناً طالحة. ولكن كما قلنا: إن شرط الزوجية هو أساس الخصب، كذلك تبادل الأفكار واللقاء والبحث، فإنها تحتاج للأزواج (العقليين) المخصبين، فاجتماع عاقلين يتبادلان الآراء ينتج عنه أفكار جديدة باعتبار (التلاقح النوعي والفكري) هنا، مع هذا فإنه ليس كل الأزواج عندهم ذرية (ويجعل من يشاء عقيما)، واجتماع جاهلين هو اجتماع عقيمين، والعقيم من طرف واحد يسبب عدم الإنجاب فكيف إذا كان من الطرفين؟! فالخصوبة تأتي من مخصب وكذلك اجتماعات الناس.