ربما تكون المرة الأولى التي يدخل فيها الفنانون والإعلاميون عنوة إلى قلب التجاذبات السياسية والطائفية بهذا المستوى من الحدة والعلنية، فبعد قوائم "ثورة يناير" للفنانين المصريين المغضوب عليهم لمساندتهم النظام المصري السابق، ظهرت قائمة ال19 فنانا بحرينيا الذين قيل إنهم أساؤوا للمملكة أثناء الاضطرابات السياسية في البحرين، ثم أمس نقرأ عن "قائمة سوداء" لفناني المغرب بسبب "تخليهم عن لهجتهم"، وهذه طبعا أحدث موضات "القوائم السوداء" وأطرفها. إذن فنحن أمام موجة قوائم أتوقع أن تستغل من قبل المتنافسين في الوسطين الفني والإعلامي والخصوم السابقين، من مبدأ تصفية حسابات قديمة تحت غطاء جديد. ولذلك يجب أن يكون الإعلام حذرا من تلقف أي قائمة جديدة دون ورود ما يثبت صحة الاتهام، فإذا أثبت الأمر وكان فعلا أمرا مسيئا لبلد أو طائفة فعند ذلك تتخذ إجراءات قانونية ضد المسيء، وإن ثبتت براءته فليقل ذلك حتى يقطع الطريق على أي مصطاد في الماء العكر من أي جهة كانت. أما في جانب المواقف السياسية للإعلاميين، فأحدث ما يمكن التساؤل عنه هنا هو المبرر الذي أطلقه المذيع في قناة "الجزيرة" غسان بن جدو، عندما أعلن أنه قرر الاستقالة من القناة (حسب وسائل إعلام لبنانية) بسبب "أن ما يجري في قناة الجزيرة من سياسات تحريضية لا مهنية أمر غير مقبول على الإطلاق، خاصة في ظل المفصل التاريخي الذي تمر فيه المنطقة". والسؤال الذي أود أن يجيب عليه "ابن جدو" بصراحة: ألم يكن هو شخصيا ومكتب قناة الجزيرة في بيروت الذراع الإعلامي القوي ل"حزب الله" والمعارضة اللبنانية في صراعهم مع تيارات سياسية لبنانية أخرى؟. ألا يذكر أنه تبنى بدون أي تحفظ مواقف الحزب والمعارضة في مهاجمة الحكومة، متفوقا حتى على قناة "المنار"؟. بل إنه لم يكن يستضيف في برامجه "المباشرة" أي صوت سوى الصوت المؤيد للحزب وسوريا وإيران؟، فأين المهنية التي تتشدق بها يا غسان؟ وبالنسبة للإعلام الفضائي العربي؛ فنعم هو في مجمله، فشل فشلا مهنيا كبيرا خلال هذه الأحداث. ولكن يجب أن يعي "ابن جدو" وغيره أن الماضي القريب لهم ما زال في الأذهان، ولم تمحه استقالة من أجل "المهنية". وبالمناسبة، في اعتقادي أن القائمة السوداء التي تكتب وتنشر حتى الآن هي تلك التي تضم فنانين وإعلاميين، نشروا كل المفاهيم الأخلاقية "المنحطة" في منازل جميع العرب والمسلمين، ولعل في مقدمتهم سيدة "ستار أكاديمي" المدعوة "رولا سعد"، التي لو نشرتُ قائمة سوداء (مثل غيري) فسيكون اسمها أولا.