صالح محمد الجاسر - الاقتصداية السعودية يوم الجمعة الحادي عشر من شهر مارس، كان يوما فاصلا في مسيرة بلادنا، فبقدر ما كان أعداء هذه البلاد يراهنون على هذا اليوم لإحداث فتنة تعم البلاد وتقضي على وحدتها، جاء رد فعل الشعب السعودي مؤكدا وعي المواطن لما يخطط له، ومجددا تمسكه بوحدة وطنه وبقيادته التي يدرك حرصها على هذا الوطن وأبنائه، ذلك اليوم كان محل ترقب من قبل عديد من المراقبين، لمعرفة هل يستجيب الشعب السعودي لأصوات التحريض، أم يكون محصنا ضد ما جرى في بلاد عربية عديدة. وقفة الشعب السعودي القوية، وتحويل تلك الجمعة إلى يوم ولاء للوطن وقيادته، جعل كبريات الصحف ووكالات الأنباء العالمية تتحدث عما تتمتع به الجبهة الداخلية في بلادنا من قوة وتعاضد وإدراك للمخاطر، كما جعلت كثيرا من المراقبين يتساءلون عن الأسباب التي منعت الشعب السعودي من الانسياق خلف دعوات التظاهر. محاضرة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة مساء يوم الثلاثاء الماضي جاءت لتجيب عن هذه الأسئلة عبر الحديث عن ""الأسس التاريخية والفكرية للمملكة العربية السعودية"". ففي هذه المحاضرة تناول الأمير سلمان الوضع السياسي الذي كانت تعيشه بلادنا قبل تأسيس الدولة السعودية، كما تناول الأسس التي قامت عليها الدولة ولم تحد عنها حتى الآن، وكانت السبب المباشر والقوي بتوفيق من الله في استمرار مسيرة هذه الدولة، رغم ما مرت به من ظروف عصيبة كانت السبب في سقوط الدولتين السعوديتين الأولى والثانية. الأمير سلمان بن عبد العزيز أشار إلى أن بلادنا كانت قبل توحيدها مكونة من عدة أقاليم و""في كل إقليم دولة، وفي كل قبيلة دولة، وداخل كل دولة من هذه الدول دول متناحرة"". هذه الأرضية المفككة والوضع المضطرب الذي كانت تعيشه البلاد، لم يكن مجالا للاستغلال لتحقيق مطمح شخصي قائم على عصبية قبلية، وهي مطامح كانت سائدة في تلك الفترة، بل تم الانطلاق منه لتحقيق هدف أسمى يتمثل في تأسيس دولة قائمة على الدين الصحيح، ضمن لهذه الدولة الاستمرار إلى يومنا هذا، وهذا ما أوضحه سموه في قوله: ""ورغم أن الإمام محمد بن سعود من أسرة تعود في أصولها إلى بني حنيفة تسكن في الوادي الذي يسمى باسمها، وإمارته في الدرعية التي أسسها جده مانع المريدي وأسلافه من الدروع من بني حنيفة منذ منتصف القرن التاسع الهجري، إلا أنه لم يؤسس الدولة على عصبيته أو قبيلته، بل أسسها على الدين والتزم هو وأبناؤه وأحفاده إلى يومنا هذا بهذا التأسيس وبهذا الامتداد الذي يماثل ما تأسست عليه الدولة الإسلامية الأولى"". ثم يؤكد سموه: ""إن شرعية هذه الدولة هي في منهجها وتاريخها الطويل الذي بدأ ببيعة شرعية للالتزام بالدين الصحيح منهجا ومسلكا في الحكم والبناء السياسي والاجتماعي وليس في حادثات الفكر المستورد أو الفوضى والتخبط الفكري الذي لا نهاية لجدله ولا فائدة من مبادئه. فأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض وأما الزبد فيذهب جفاء"". نقطة أخرى ومهمة أشار إليها سمو الأمير سلمان في محاضرته، وهي الشراكة في توحيد الدولة وبنائها، هذه الشراكة التي يعرفها ويفاخر بها كل مواطن، ضمنت للدولة هذا القبول الشعبي الكبير، بحيث أصبح كل مواطن يشعر بأنه جزء من هذه الدولة، وعليه واجب في الحفاظ عليها، ولهذا فليس غريباً أن يؤكد سمو الأمير سلمان على هذه النقطة المهمة بقوله: ""ولا يوجد أسرة أو قبيلة في هذه البلاد إلا ولآبائها أو أجدادها مشاركةٌ فاعلة في توحيد البلاد وبنائها وتعزيز قوتها ورسالتها. والجميع في هذا الوطن جزءٌ لا يتجزأ من هذا الإنجاز التاريخي لهذه الدولة المباركة وأسهم حقيقة في بنائها ووحدتها وتماسكها"". لقد لخص سمو أمير منطقة الرياض في هذه المحاضرة أسس قيام هذه الدولة وعوامل وحدتها، وبين أسباب متانة الجبهة الداخلية ضد أية تحديات، وفي هذه المحاضرة إجابة عن كثير من التساؤلات التي طرحت خلال الأسابيع الماضية.