من خلال مشاهداتي أثناء زيارتي لمعرض الكتاب الدولي بالرياض يومي الأربعاء والخميس الماضيين لاحظت بوضوح هؤلاء الذين يدّعون أنهم محتسبون ويلاحقون النساء من باب النصيحة وهو ما تعرضتُ له وبعض الصديقات حين ظلوا يلاحقوننا من مكان لآخر "زنقة .. زنقة"، بشكل مزعج لحد الشعور بالقرف منهم، بل لدرجة الاستفزاز لغضبنا! فما أن أمشي مترين إلا وأجد اثنين أو ثلاثة يكررون ما قاله زملاؤهم خلفنا! هؤلاء بصراحة لا أجدهم يختلفون عن "الشباب المعاكسين" ممن يلاحقون النساء بعبارات الغزل! فإن كنّا نتفهم ملاحقتهم للكاشفات وجوههن وكنّ قلة في المعرض؛ لمطالبة تغطيتها بحجة الاحتشام والحجاب الإسلامي الذي لا يفهمونه إلا من ثقب إبرة صغيرة في باب فقه الاختلاف؛ فكيف يمكننا أن نتفهم ملاحقتهم لشابات ونساء يرتدين عباءات من فوق الرأس ومنقبات نقابا لا ترى فيه "بؤبؤ" أعينهن بحجة مطالبتهن أيضا أن يحتشمن! بل تراهم يتحدثون معهن بحجج واهية أيقنت معها أن كثيرا منهم "نسونجيون" وأن احتسابهم هو تعمد للاختلاط والحديث مع النساء! فهل تصدقون أن أحدهم قال لامرأة منقبة وملتفة بالسواد "اتقي الله .. لا تلبسي كعب عالي فهو ملفت وحرام"! أيعقل مثل هذا الكلام؟! بل أتساءل كيف يزعم حضوره للاحتساب ويسمح لنفسه برؤية ما تحت العباءة! أمر عجيب! ألا ينصح نفسه بغض البصر أولا قبل أن يحتسب؟! وبصدق؛ هؤلاء "نسونجيون" وليسوا محتسبين؛ إنهم يتحججون بالاحتساب لإجراء حوارات مع النساء من باب النصيحة! والأدهى والأمر أن يُمارس هذا التطفل والإزعاج كثير من المراهقين والشباب ممن تمّ تفريخهم في حلقات مشايخ التفسيق والتكفير أمام مرأى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو ما استغربته فعلا؛ وأتساءل هل كان من الممكن أن تسمح الهيئة لشباب غير ملتحين ولا تبدو عليهم ملابس التدين بملاحقة النساء بحجة النصيحة أيضا؟! أم أن هذه امتيازات واستثناءات خاصة بشباب جلهم مراهقين لم تنبت لحى بعضهم بعد! لولا ثيابهم القصيرة جدا؛ لدرجة جعلتني أعجز أن أفهم لماذا هذا التقصير الملفت في الثوب! وأستغرب أن منسوبي الهيئة في معرض الكتاب لم يكن لهم موقف حازم وحاسم مع هؤلاء! لم يكن لهم دور في ردعهم عن ملاحقة النساء والحديث معهن في كل رواق ضاق أو اتسع داخل المعرض ووسط الزحام! لم يمنعوهم من التواجد والاختلاط مع النساء وهم آتون بهدف ملاحقتهن لا لشراء كتاب، بل بعضهم يحتاجون أن يتم الاحتساب فيهم أيضا؛ إذ كيف يمكن تقبل نصيحة من شخص يرتدي ثوبا متسخا؛ ألا يعرف هؤلاء أن النظافة من الإيمان؟! بل أكثر ما يثير التعجب هو ترك هؤلاء "النسونجيون" لصلاتي الجماعة في المغرب والعشاء؛ ليستمروا في ممارسة ملاحقة النساء بحجة النصيحة! أيهما الأجدر ملاحقة النساء والحوار معهن في ظل انشغال أولياء أمورهن بالصلاة مع الجماعة أم أداء صلاة الجماعة؟! بل لماذا أيضا استثنتهم الهيئة التي تطالب زوار المعرض بالصلاة فيما هؤلاء أمام أعينهم يسرحون ويمرحون دون صلاة ويلاحقون النساء دون خوف! سأترك لكم أنتم حرية الإجابة والله المستعان.