د. حسن بن فهد الهويمل - الجزيرة السعودية تهمي بعقل، وتتدفق بمقدار، وتُرْوِي بعدل، فتهتز النفوس، وتربو القيم، وتبسق المبادئ، وتتحول الأرجاء إلى جنات معروشات، وغير معروشات يتفيأ ظلالها ذات اليمين وذات الشمال. يحدوك الشوق إلى قلوب ظمئت إليك، وأفئدة هفت إلى لقائك، عدت من مشفاك، ومنتجع نقاهتك تحمل بشائر خير ومقدمات الرخاء، وعادت بعودتك الآمال العذاب والتطلعات الواثقة. كان الناس على موعد مع العطاء العميم، فجاء كالغيث الهتون غدقاً مجللاً، عمَّ النجاد والوهاد، وشمل كل العباد، ولم يكن مقطوعاً ولا ممنوعاً، وخير العطاء أدومه وإن قلَّ، فكيف به إذا جمع بين الجزالة والشمول والدوام، فلك من بارئك البرء من كل سقم، ومن الثواب أجزله، ومن الدعاء أصدقه، ومن الثناء أجمله: المجد عُوفي إذ عُوفيت والكرم وزال عنك إلى أعدائك السقم وما أخُصّك في بُرْءٍ بتهنئةٍ إذا سلمت فكل الناس قد سلموا بلد يضج أهله بأهازيج الفرح، وتتدفق شوارعه بفيض المشاعر، وسط عالم يعج بالنحيب، وتلتطم أرجاؤه بأمواج الفتن وتمتلئ فضاءاته بالتذمر والشجب والرفض، وتدلهم أجواؤه بقتام المشاعر الساخطة. وأمة آمنة مطمئنَّة تتدفق عليها الخيرات رغداً من كل مكان وتتفجر أرضها بكل الطاقات، تمد البشرية بنور الله دعوة وقدوة وبنور الحياة طاقة ودفئاً، وتحمل عقول قادتها النصح والنصيحة لكل البشرية وسط أمم خائفة تترقب، تمسها البأساء والضراء والزلزلة. وشعب متلاحم منذ أن فرغَ المؤسس من توحيد عقيدته وصفه وهدفه فهو في تواده وتراحمه كالجسد الواحد، تتداعى أعضاؤه عند كل ملمة، وسط شعوب متنافرة توهن عزائمها قبليات وطائفيات وإقليميات، وقيم حسية ومعنوية يمسك بعضها برقاب بعض مُشَكِّلةً حزاماً أمْنِيّاً يحيط بأرجاء الوطن لِصَدِّ الأعاصير وتثبيت الأركان، وسط دول تحكمها المصالح وتصرفها الأطماع وتعصف بها الأهواء. عُدْت أيها الرائد الذي لا يكذب أهله، وفي يمينك قبضة من المشاريع وقبس من الخير، وفي ضميرك فيض المحبة، وفي محياك زخم التفاؤل، فكانت عودة البشائر. تدفَّقَتْ أوامرك بالعطاء الثر وبالمواساة الحانية وبتفريج الكربات، وتدفق الناس في الساحات والأسواق فرحاً باللقاء الميمون، فالتقى الخير والفرح على أمرٍ قَدْ قُدِر. غبت بدناً وأقمت بيننا أثراً فأنت الغائب الحاضر، وبقَدْر ولهك كان اشتياقنا، وبقدر فرحك بالعودة كانت سعادتنا باللقاء فأنت منا القلب النابض ونحن منك السواعد القوية. حفظنا ثُنَائِيَّتك الجامعة المانعة: العقيدة والوطن فكنا مخلصين لعقيدتنا محبين لوطننا، ولأنك من دعاة العقيدة وحماة الوطن، فقد كنت ملء السمع والبصر، حفظك الله لتجيب داعي الله وتحفظ أوامره، وشدَّ من أزرك لتكمل مسيرة الخير والعطاء، وأخذ بناصيتك إلى سواء السبيل لتقود أمتك إلى مدارج العز والتمكين، وتنجو بالسفينة من أعاصير الفتن، يشد عضدك أنجال المؤسس وأحفاده. لقد تبدت الشواهق والساحات في يوم عرس بهيج تملأ أرجاءها هتافاتُ الفرح وتفيضُ أطرافها بأهازيج النصر على كل معوقات الحضارة، فنحن في بلدٍ أذن الله أن يمد بسبب إلى كل جديد، فالجامعات تجسّر الفجوات بين الواقع والمؤمل، عبر الابتعاث الذي لا تحده حدود والاستقدام للكفاءات العلمية العالمية. هذا التلاقح أعطى البلاد وأهلها قيماً لم تكن مهيأة لغيرها، وجعلها على موعد مع الثورة العلمية؛ وتلك التسهيلات الواثقة والمحكومة بضوابطها أشعلت نور العلم وعانقت كل المستجدات الحضارية. واليوم وقد تلاحقت أوامرك الكريمة كزخات المطر، فنحن أحوج ما نكون إلى من يتلقاها باليمين ليفعلها كما أردتها، لقد ألقيت بالمسؤولية، وأديت الأمانة ونصحت للأمة، فكنت القوي الأمين والحفيظ العليم. لقد ساءتك بوادر البطالة وأزمات الإسكان، ومقدمات الغلاء وبطء التنفيذ، ومن ثم تلاحقت أوامرك لتطويق المشاكل وإيقاف التمادي، والمنتفعون يودون أن تُتَرجم أياديك البيضاء دون إبطاء، فبلادنا تعيش عصرها الذهبي، ومن حق كل مواطن أن يتمتع بهذه الإمكانيات الاستثنائية. مؤهلون يبحثون عن فرص عمل تغنيهم عن أهلهم، وخاطبون يبحثون عن سكن لإتمام شطر دينهم، ومستأجرون يبحثون عن مُلْكٍ يستظلون به، ويظلون به أبناءهم، وموظفون يودون التوازن بين الدخل والإنفاق، ومغمورون بوابل الفواتير والجزاءات والضرائب والغلاء يودون عودتها إلى أدنى حد بحيث يوائمون بينها وبين دخولهم، وأراضٍ بور داخل النطاق العمراني لو هُيئت لفكَّت الاختناق. أشياء كثيرة بانتظار رجل المبادرات الذي قال لشعبه المتسائل عن صحته: (إذا كنتم بخير فأنا بخير) ولسان حال شعبه يقول: (إذا كنت بخير فنحن بخير). المواطن السعودي الذي يعيش أفراح العودة الميمونة لقائد المسيرة المظفرة مسيرة الحضارة والمدنية والوسطية والحوار والدفع بالتي هي أحسن مسيرة النماء والإنسانية، ويعيش عصراً ذهبياً تتلاحم فيه القيادة مع الأمة، من حقه أن يلاحق المسؤولين، وأن يستحثهم على انتهاب الخطى، ومواصلة الجهود للتوفر على العيش الكريم، بحيث لا يمسه لهيب الأزمات التي تجتاح العالم، فأرضه مليئة بالخيرات وقيادته مفعمة بالإخلاص، وأي تقصير يحول دون المتوفر على الضروريات يجب أن يُسأل المتسبب، فولي الأمر يعطي عطاء من لا يخشى الفقر وأوامره تتلاحق لتختصر الزمن والجهد وتنجز الوعد؛ إن علينا أن نتساءل وأن نلح بالتساؤل ليكون المسؤول في مستوى مسؤوليته محققاً لتطلعات القائد، فالحب لم يُفرض بالقوة، ولكنه نبع من القلب: (ومن وجد الإحسان قيداً تقيدا).