في وسط هذا الضجيج السياسي والمختلط بأصوات المتظاهرين وهتافات المحتجين ضد الظلم والاستعباد، لم يظهر للمثقف العربي صوت ولم يتجل له موقف، وكأنه ذاب في غمرة الثورة، وغرق في لجة الأحداث المتسارعة هنا وهناك. على الرغم من أن صوت المثقف كان أقوى من صوت الرصاص، وأعمق تأثيرا على المستوى الشعبي والرسمي إلا أننا افتقدنا لبيان أو موقف أو رأي يسمع في هذه الانتفاضات الشعبية المباركة. ظهر بعض الفنانين على شاشات التلفاز في الشارع، وبعضهم كان يتمترس خلف باب شقته محاطا بالحرس الشخصي ويمارس التنظير عبر جهازه الخلوي، سمعت عدة آراء ومواقف من بعض الفنانات كن أجرأ وأشجع من بعض النجوم الذين ملؤو الأرض كوميديا وبهرجة. تحدث الزعيم ( عادل إمام) بكلام باهت وعوم الحديث بموقف متخاذل، بينما ظهر الوعي الفني الصادق في حديث ( محمد صبحي ) و (عبير صبري) التي كانت تتحدث من ميدان التحرير مزاحمة للأكتاف والمناكب بكل انحياز للحق والشعب دون وجل أو مداهنة أو خوف. هذه نماذج فقط لمواقف بعض الفنانين المتناقضة.. ولكن السؤال مازال معلقا.. أين مثقفو الوطن العربي من شعراء وروائيين ومفكرين وكتاب من هذه الأحداث ؟ أين رابطة اتحاد الكتاب العرب أو نقابات المثقفين من كل هذا ؟! أم أن المثقف قد أدرك مبكرا بأن رأيه لا يؤثر في زمن لا يقيم للكلمة الحرة وزنا، ولا يعتبره سوى مهووس بالثرثرة على الأوراق وجمع الكتب، والتنظير على منابر مؤطرة ومنتديات محاطة بالأعين السرية وخيول الدرك ؟! حتى الشعراء، أمراء الكلام كما يصفهم الحسن البصري، فقد لاذوا بصمت مهيب، بعد أن كانت الأحداث المؤثرة على المشهد العربي توثق كقصائد تتلى لأجيال يجري الشعر في عروقها كسيل هادر.. نقل عن وزير نازي يدعى (غوبلز) قوله : (حين أسمع كلمة ثقافة، أتحسس مسدسي )، ولو بقي هذا النازي إلى يومنا هذا فلن يفكر حتى في حمل مسدسه أصلا، لأن الثقافة تحولت إلى وهم كبير يتشدق به الكثيرون، بعد أن كانت فعلا محركا وسلطة نافذة وصوتا مؤثرا لا يخاف في الحق لومة لائم.. ويكفي.