تسونامي «بوعزيزي» هل يتوقف أم يستمر؟! د. رشود الخريف - الرياض السعودية إن الأحداث التي حدثت خلال الشهر الأول من هذا العام (2011) في الوطن العربي، تبدو أكبر أهمية وأبلغ تأثيراً من الأحداث التي كانت تحدث في أعوام بكاملها. بدأ العام الجديد بأحداث السودان والاستفتاء حول انقسامه بين شمال وجنوب، وهو أكبر حدث في تاريخ السودان بعد استقلالها. ثم تحركت الجموع في تونس بعد الشرارة الأولى التي أطلقها ""بوعزيزي""، واستطاعت تقويض أقوى الأنظمة تحصيناً وأكثرها منعة، دون تدخل خارجي، ودون عنف كبير أو تفجيرات وحشية، على خلاف ما اعتادت عليه المنطقة العربية في غربها وشرقها. فلم يكن متوقعاً أبدأً أن يسقط نظام بن علي بهذه السرعة والبساطة، بل كان مفاجأة للكثيرين! وبعد أحداث تونس بساعات، اهتزت شوارع الأردن مشتكية من غلاء المعيشة، ثم تظاهر نساء اليمن ورجالها مطالبين بما هو أبعد وأصعب. وبعد ذلك بأيام قلائل، تكشّف المستور فيما وراء كواليس المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، واتضح الخلل الذي قد لا يخفي على الكثيرين. إن ما حدث يؤكد حجم الضغط والتأثير الخارجي من جهة، وعدم تمكن الفلسطينيين من تطوير مؤسساتهم أو العمل وفق منهج مؤسساتي منظم من جهة أخرى. نعم تكشّفت الأمور ونُشرت الوثائق لتؤكد الفوضى والاجتهادات الشخصية وضعف المهنية التي تدار بها القضية الفلسطينية! وفي تلك الأثناء تأججت الخلافات اللبنانية حول رئاسة الحكومة، ولكن ما لبثت الانتفاضة الشعبية المصرية أن اختطفت الأنظار وحظيت باهتمام المراقبين وتركيز الإعلام العالمي بمختلف وسائله، لما لمصر من دور مؤثر ومكانة كبيرة على المستوى العربي والعالمي. ويبقى الحدث التونسي أنموذجاً فريداً وقوياً ومؤثراً، فقد أحدث هزة ليس في الدول العربية فقط، بل صارت له أصداء في أرجاء العالم. ولكن الدول العربية القريبة للحدث هي الأكثر تأثراً من غيرها، سواء من حيث محاولة المحاكاة أو التفاعل مع جوهر الحدث ومحفزاته. والأهم في الأمر كله أن الانتفاضة التونسية أسهمت في كسر الخوف لدى الجماهير العربية، التي اكتشفت في آخر المطاف أن لديها قوة كامنة وقدرة فاعلة في عصر الإنترنت، لم تكن تصدق بوجودها جراء القمع والتشذيب والتهذيب السياسي لسنوات أو أجيال طويلة. ومما يُذكر في خضم هذه الأحداث ما أشار إليه تقرير التنمية البشرية عام 2010 الصادر عن الأممالمتحدة عن درجات الرضا العام لدى الناس في معظم دول العالم، وذلك بالاعتماد على مقياس يراوح من صفر إلى 10، مستمداً بياناته من جالوب العالمية Gallup، بناء على عينة من الناس تم سؤالهم عن درجة رضاهم عن الحياة بوجه عام، بما فيها المعيشة والخدمات وغيرها. وللمقارنة أحرزت الدنمارك والنرويج درجات مرتفعة نسبيّاً من بين دول العالم، تصل إلى أكثر من ثماني درجات، في حين راوحت درجة الرضا في الدول العربية من خمسة أو أقل في اليمن ولبنان وفلسطين والسودان، وما بين خمسة إلى ستة في تونس والأردن ومصر والجزائر وسورية والمغرب، وما بين ستة إلى سبعة في الكويت وقطر والإمارات، وما بين سبعة إلى ثمانية كما في السعودية. لا يبدو أن الأمور تتجه نحو الفتور، بل أصبح ""تسونامي بوعزيزي"" يموج في أماكن مختلفة، لأن النموذج التونسي تميّز عن غيره بشموله جميع ألوان الطيف من اتجاهات فكرية ودينية وفئات مهنية وعمرية مختلفة مع سيادة واضحة للشباب، ولأنه أعاد الأمل لإرادة الشعوب في المطالبة بحقوقها، وأعاد إليها الثقة بقدرتها وفاعليتها في إيصال صوتها ضد الفساد والظلم والطغيان وإخفاق المشروع التنموي. لا شك أن هذه الأحداث ستكون عبرة للعقلاء وإنذارا للغارقين في الفساد. وسترسم خطاً مختلفاً يعتمد على التظاهر السلمي باستخدام تقنيات العصر من وسائل اتصال وفضائيات وإعلام رقمي على شبكة الإنترنت. وهذا يؤكد ضرورة تسريع الإصلاحات للحد من الفساد، وزيادة الشفافية والعدالة، وتشجيع المشاركة في اتخاذ القرارات التنموية.