(أما قبل): في آخر خطاب له .. قال لهم : أنا فهمتكم .. أنا فهمتكم .. أنا فهمت ما تريدونه . يا إلهي .. الرئيس العربي يحتاج إلى ربع قرن ليفهم ما يريد شعبه ! (1) كان ضعيف البنية ، وعاش وهو يعاني من خلل في القلب رافقه منذ الولادة . آلمه كثيرا ً فراق الطفلة التي أحبها . عاش في زمن لا يعرف قيمته .. وحلم ب 14 يناير قبل سبعة عقود . وحرّض أهله وناسه للذهاب إلى هذا اليوم المجيد. من منكم لم يردد أبياته خلال اليومين الماضيين؟ من منكم لم تصله هذه الرسالة الهاتفية : إذا الشعب يوما ً أراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر ؟ الإقطاعيون في زمانه لم يعجبهم غناؤه .. الوعاظ قالوا : كيف تحكم على وجوب « استجابة القدر « ؟ .. أستغفر الله ! هل تعرفون اسم أي إقطاعي أو واعظ من ذاك الزمان ؟ .. الإجابة : لا . ولكنكم بالتأكيد تعرفون اسم شاعر تونس العظيم : أبو القاسم الشابي . (2) مات شابا ً في منتصف العشرينيات من عمره .. مات ولم تمت كلماته . الكلمات الحرة لا تموت .. وحدها إماء الكلمات تولد ميتة ! في مساء ال 14 من يناير قال القمر التونسي كلماته . كانت (.. ولا بد للقيد أن ينكسر ) : خبرا ً عاجلا ً في كل قنوات الدنيا . كانت النجوم في السماء التونسية .. تغني : ومن لا يحب صعود الجبال / يعش أبد الدهر بين الحفر . كانت الشوارع ، والأرصفة ، والأزقة ، وأعمدة الإنارة ، والدماء الطاهرة .. تغني : هو الكون حي يحب الحياة / ويحتقر الميت مهما كبر . (3) أبو القاسم .. هل تعلم أن زميلك العظيم « محمد الثبيتي « مات في 14 يناير ؟ يا لهذه المفارقة المؤلمة .. والفراق المؤلم . أعلم .. أعلم يا سيدي أن كلماته لا تموت .. ولكنني حزين لفراق سيد البيد .. وأجزم أنه ، كان سيكتب لكم قصيدة عظيمة ، وأنه يحبكم برشا .. برشا .. وأنا أحبكم برشا .. برشا .. و .. دع عنك كل البيانات الرسمية.. وقل للتوانسة العظماء : الشعوب العربية تحبكم برشا .. برشا .. برشا .. (أما بعد): على وكالات الأنباء أن تتأكد من عربة « بو عزيزي « : هل كانت عربة خضار .. أم عربة التاريخ الذي لا يستطيع أحد إيقافه ؟! الأكيد : أن التاريخ سينسى الكثير من المركبات الفاخرة .. وأصحابها .. ويقف طويلا ً عند « عربة خضار بو عزيزي « . وعلى بعض الحكومات العربية أن تعرف ، أنه في كل بيت عربي يوجد « بو عزيزي « .. وعليها أن تجد طريقة ما للتصالح معه ، وسماع صوته ، وتحقيق بعض مطالبه المشروعة