أحمد عبدالرحمن العرفج - المدينة السعودية دَرَجَ أهل الثَّقافة والفِكر على احتقار -أو لِنَقُل النَّظرة بدُونيّة- إلى حقول الرّياضة والطَّرب والفنون، وما فِيها مِن العَجَب، فهُم لا يُقدِّسون ولا يَحترمون إلَّا مَن يَشتغل في الكِتَابة أو يَمتهن الفِكر، أمَّا مَا عَدا ذَلك فهُم مِن سَقْط المَتاع، الذي لا يُعبأ به، ومَصيره إلى مَزبلة التَّاريخ -كَما يَقولون-، تلك المَزبلة التي أبحث عَنها مُنذ رُبع قَرن، ولَم أجد أي أثر لَها..! والعَجيب في الأمر أنَّ أصحَاب الثَّقافة والنَّظريّات الكُبرى تَعالوا عَلى الوَاقع، لذلك تَعالى الوَاقع عَليهم، فأصبَحوا مَع مرور الوَقت جُزءاً مِن مُشكلة الوَاقع، بَعد أن كَانوا جُزءاً مِن حَلِّ المُشكلة، لذا سأقول إنَّنا الآن لا نَعيش في زَمن الثَّقافة أو الدُّعاة أو الفِكر، بَل نَعيش في زَمن «راشد الماجد» وأمثاله مِن الفَاعلين الاجتماعيين، الذين ينتجون عَطاءاتهم ويَشتغلون في حقولهم مِن غَير ضَجيج، أو دوي، ليَتوغَّلوا في الجَماهير، ويَستحوذوا على اهتمام الطَّبقات الوَاسعة مِن فَصائل المُجتمع..! وفي عُرف أهل الفَن، يَبدو مثلاً «راشد الماجد» مُطرباً نَاقص التَّطريب، فصَوته تَعلوه غُنَّة دَائمة، مردّها إلى لَحميّة في أنفه، وكأنَّه يَتحدَّث بصَوتٍ مَملوء بالإدغام بغُنَّة -كما يَقول أهل التَّجويد-..! كَما أنَّه في عَالم المُوسيقى، شَحيح المَقامات، فهو ينتج أكثر أغانيه عَلى مَقام «الكرد» مِثل غَيره، ويَزور «لماماً» مَقامات أُخرى مِثل: الرَّصد والعجم والبيات والسِّيكا والنَّهاوند والبنجكة.. هَذه مِن المُلاحظات التي يَرصدها أهل ثَقافة الطَّرب والمُختصّون به، ولَم يَعبأ بِها رَاشد ولا جمهوره، فهو قد اخترقَ الشَّرائح وعَبَرَ الجغرافيا وشَقَّ التَّاريخ، بأدائهِ الذي يَستهوي الأغلبيّة، كَما أنَّه مِن خلال قَناته التَّطريبيّة «وناسة»؛ استطاع أن يجلب كُلّ أهل الطَّرب، بدءاً بكَبيرهم الذي عَلَّمهم الطَّرب «محمد عبده»، حتَّى آخر مُطرب يَظهر هَذا اليَوم، ولَن أُحدِّد، فنَحنُ أُمَّة تُنتج مُطربين ثَلاث مَرَّات في اليَوم، مِثل أقراص البَنادول التي يَستخدمها البَعض مِنَّا ثَلاث مَرَّات في اليَوم..! إنَّ «راشد الماجد» بحَق ظَاهرة طَربيّة؛ تَستحق أن يَتوقَّف عندها مَن يَهتمُّون بالنَّقد الثَّقافي، أو دراسة الوَاقع، فالمَذكور «أحمد العرفج» ذَرع الوَطن العَربي، وشَيئاً مِن أوروبا، فوَجدَ أن أغاني وطَقطوقات «راشد الماجد» عَلى كُلّ لسان، مِن المُحيط إلى المُحيط، ويَكفي أنَّ أغنية «غرق الغرقان أكثر»، قد سَمعتها عَلى ألسنة وجنسيّات مُختلفة، أو حتَّى أغنيات مِثل: «الله يا زين اللي احضرت»، و«بلا حب بلا وجع قلب وش جانا من ورا ها الحب وش جانا».. وقد صَدَقَ «راشد» في هذا..! حَسناً.. مَاذا بَقي..؟! بَقي القَول: إنَّ الشَّاعر الكَبير «نزار قباني» سُئل في أي عَصر عِشت، فقَال: عِشتُ في زَمن النَّاقد الكَبير «مارون عبود»، أمَّا نَحنُ إذا سُئلنا في أي زَمن نَعيش، فبالتَّأكيد سنَقول –شِئنا أو أبينا-: عِشنا في زَمن «راشد الماجد» وقناته التَّطريبيّة «وناسة»، حيثُ أصبح هذا الفَاعل الإعلامي الجَديد -وأعني به «راشد الماجد»- يَغزو ويُغيِّر ويُؤثِّر أكثر مِن تَأثير أي وزارة إعلام عَربيّة، حتَّى لكَأن الشَّافعي قَصده عِندما عَدَّد واعتبر «راشد» مِن فَوائد السَّفر، قَائلاً: تَغَرَّب عن الأوطانِ في طَلبِ العُلا وسَافرْ ففي الأسفارِ خَمسُ فَوائدِ تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشةٍ وعلمٌ وآدَابٌ وصحبةُ «رَاشدِ»!!!.