شغلت المعتزلة الأمة حقبة من الدهر بما ابتدعوه من إطلاق سلطان العقل، وحسبك ما يروى ان عمرو بن عبيد - على صلاح ظاهره - كان يقول عن حديث عبدالله بن مسعود ((إن احدكم يجمع خلقه في بطن أمه...)) كان عمرو يقول: لو حدثنا الاعمش بهذا ما قلته، ولو سمعت زيد بن وهب يقوله لما اجبته، ولو سمعت عبدالله بن مسعود يقول لكذبته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله لرددت، ولو سمعت الله تعالى يقوله، لقلت له:((ما على هذا أخذت ميثاقنا)). وهذا الخبر - إن صح - فيه من الجرأة على الله ما فيه من قبح الفاظه وفساد معانيه - عياذا بالله - إلا انه من الخطأ ان نعمد احياناً الى ان نحرم عقولنا من التأمل في كثير من النصوص. وحسبنا أن ندرك ان الاخبار الغيبية والتي صحت لدينا ليس لنا ابداً ان نعمل عقولنا فيها إعمال من يرى هل تقبل أم لا تقبل. بل لا نملك حيالها إلا الايمان والتسليم. اما غير ذلك من النصوص فلا حرج من إعمال العقل فيها بل هو الاصل مستصحبين ان العقل كاشف عن الدليل لا منشأ له، ولا يعني ذلك ضرورة رد حكم او اهمال العمل به. لكننا نجد بعض النصوص لو اعملنا عقولنا فيها مستصحبين مقاصد الشرع والاحداث التاريخية لتريثنا كثيراً في قبولها أو على الاقل في كيفية الجمع بينها وبين احاديث أُخر. وبعض من عرفنا يحذر من هذا الصنيع اما لعجزه او ضعفه أو لروح سلطوية تسكنه وربما لجأ إلى اساليب تحمل في طياتها من خبث المقصد والتواء الطريق ما يخفى على كثير من العامة والقراء. وأحسب أن على من رزقه الله فهماً وعلماً لا ينبغي له ان يقتصر على ما عليه الناس تحت أي عذر يجده. وما كان المجددون في الامة حقاً مجددين إلا لما جعلوا الاخلاص رائدهم وأخذوا بحظ وافر من الفهم والعلم وتحلوا بالشجاعة الأدبية فكان لهم في الأمة الأثر الجميل والثناء الصادق. وهذه الأمة احوج ما تكون إلى مجددين في عصرنا هذا، لكن ينبغي وجوباً أن ينأى هؤلاء الكبار بأنفسهم عن رموز الفساد ودعاة الرذيلة تحت أي غطاء واذا أراد الله شيئاً أمضاه، وقد كان الصبر وما زال حلية الائمة وقوام المعالي:قال ربنا:(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).