يوم السبت الماضي شهدت العاصمة الفرنسية باريس عقد مؤتمر مناهض للإسلام، سُمي «مقاومة أسلمة أوروبا»، وشاركت فيه وفود من عشر دول أوروبية، ومنظمات يمينية متطرفة، وشخصيات معروفة بعدائها للإسلام والمسلمين. وناقش المؤتمر وسائل التصدي للإسلام، وافتتِح بمداخلة مستفزة لمواطن من أصل مغاربي، قرر اعتناق المسيحية وسمّى نفسه باسكال بدل محمد. وهو اتهم الإسلام بأنه «دين توسعي تجب محاربته»، وكأن المنظمين تعمدوا تحديد هوية المؤتمر عبر أولى كلماته. هذه الصورة القبيحة للمؤتمر، حاول بعضهم انكارها بالقول إنه يتحدث عن المتطرفين الذين خطفوا الإسلام، وشوّهوا صورة المسلمين. لكن الشعارات العنصرية في المؤتمر، وفحواها أن «الإسلام يشنّ حرباً على أوروبا، ولا يتواءم مع قيمها وديموقراطيتها» لم تدع مجالاً لحسن الظن، فضلاً عن ان العديد من المنظمات الحقوقية والأحزاب اليسارية في فرنسا طالبت بوقف تنظيم المؤتمر، لكن الحكومة الفرنسية لم تلتفت إليها. يسهُل تبرير موقف هذه الحكومة بذريعة الحرية والتعددية، وادعاء أن ما جرى صورة لتطرفٍ مضاد للتطرف الإسلامي، الى غير ذلك من الحجج. لكن هذه الأعذار لا تصمد إذا عرفنا أن اليمين المتطرف في بعض دول القارة العجوز يلقى دعماً يعدّ سابقة في أوروبا، وهو وصل الى البرلمانات والإعلام، وبات يتدخل بقوة في تشكيل الرؤية الفرنسية والأوروبية للإسلام والمسلمين. كما أن فرنسا التي احتضنت المؤتمر وسهّلت انعقاده على أرضها، أصبحت ساحة للتعبير عن كراهية للإسلام والمسلمين، وتبنت قرارات عنصرية لم يشهدها تاريخ الدول. تدخلت في أزياء المسلمين، وتقاليدهم، وحاربت مظاهر التدين لدى أبناء الجالية الإسلامية في فرنسا، وتصف الحجاب وبيع اللحم الحلال بظواهر طائفية. لا شك في أن ذلك المؤتمر يُحسب على الحكومة الفرنسية. فالمنظمات التي ساهمت في عقده جاءت من عشر دول أوروبية، بينها هولندا وبريطانيا والسويد، لكنها لم تجد التشجيع على عقده في هذه الدول، في حين لقيت ترحيباً من منظمات فرنسية، وتجاهلاً رسمياً لعنصريته وخطورته. الأكيد أن فرنسا تتجه بسرعة لاتحسد عليها الى تفعيل العداء، وبالتالي المواجهة بين الإسلام والغرب. ولهذا فإن النظر الى المؤتمر باعتباره شأناً خاصاً، حسن ظن لا تستحقه فرنسا، ويجب ألا يمر مرور الكرام.