يُعد مشروع ساهر أحد المشاريع الرائدة التي تم تطبيقها على أرض الواقع قبل عدة أشهر، ويمثل هذا المشروع نقلة نوعية في تطورنا وتقدمنا؛ لأن ثقافة المجتمعات عادة تقاس باحترام شعوبها للأنظمة والقوانين، وخاصة نظام السير والمرور، فمتى ما تم احترام نظام السير في أي بلد فإنه يعكس الوجه الحقيقي لثقافة أهله، وعكس ذلك في الشعوب التي لا تحترم نظام السير، فهي تظل من الدول الأقل ثقافة وتطوراً. وقد لاقى مشروع ساهر في بدايته مقاومة قوية من أغلب المواطنين، وكذلك من بعض الكتّاب والنقاد الذين وجّهوا نقدهم إلى هذا المشروع، وهذه المقاومة تعد ظاهرة طبيعية؛ لأن مقاومة التغيير لا بد أن تحصل في كل مجتمع يُراد به التغيير في بعض الأنماط أو العادات التي كان يتبعها، أو يُمارسها، وتشكل روتيناً يومياً يسير عليه. ومشروع ساهر وضعنا أمام المحك الحقيقي بأن المجتمع السعودي لديه القابلية في تقبل أي ثقافة تصب في مصلحته، شريطة ألا تتعارض مع ثوابته الدينية. وبسبب تفاعل أفراد المجتمع مع هذا المشروع في اتباع الأنظمة واحترامها أصبحنا نرى الآن الانضباط من الأغلبية في قيادة المركبات وأصبح هذا الانضباط سمة تلازم الجميع أثناء قيادتهم لمركباتهم، فعند تجوالك في شوارع مدينة الرياض وخاصة الطرق السريعة منها تلحظ التغيير الذي طرأ بعد تنفيذ هذا المشروع إلا من بعض الشواذ غير المبالين باحترام الأنظمة والقوانين، وهذا يدل على أن المجتمع لديه القابلية للتطور والانضباط متى ما تم تطبيق الأنظمة وتفعيلها ومتابعتها متابعة جادة، فقد غابت عنا تلك المناظر السيئة التي كانت تزعجنا وتكدر خواطرنا أثناء سيرنا، ألا وهي السرعة الجنونية التي تصدر من بعض المتهورين والمستهترين بحياتهم وحياة غيرهم، ومن نتيجة ذلك أكدت الإحصائيات الأخيرة التي صدرت بعد تنفيذ مشروع ساهر أن الوفيات من حوادث السيارات في مدينة الرياض انخفضت نسبتها حوالي 30% وهذه إحدى النتائج الإيجابية لهذا المشروع، فقد كانت المملكة تتصدر دول العالم في أعلى نسبة للوفيات من حوادث السيارات في الأعوام السابقة. ومن المزايا الإيجابية المتوقعة من هذا المشروع بمشيئة الله هو إعداد جيل ناشئ يحترم أنظمة المرور، لأن الأبناء سيتأثرون بآبائهم حينما يشاهدونهم يقودون مركباتهم بطريقة نظامية، ويحترمون خطوط المشاة ويلتزمون بالسرعة النظامية، ويتقيدون بربط الحزام، فتترسخ هذه الانضباطية في أذهانهم وتصبح عادة من العادات التي يطبقونها بكل أريحية واحترام. وعلى الرغم من نجاح المشروع وفاعليته وأهميته إلا أنه بحاجة إلى تطبيق النظام كاملاً، حيث تم التركيز على متابعة السرعة فقط وهي من الأسباب التي أدت إلى ردة الفعل السلبية التي قوبل بها هذا المشروع وخصوصاً «تصيّده» الخفي للسيارات عبر كامرات متنقلة، وكان الأولى أن يتم مراقبة الطرقات التي تشهد سرعات جنونية حتى يشعر المواطن أن هذا المشروع يسير في صالحه ومن أجل سلامته. وكان المأمول من المسئولين عن هذا المشروع النظر والاهتمام بتطبيق النظام على القواعد والأنظمة المرورية الأخرى مثل: مرور المركبات داخل «الدوار» والتي يتجاهلها الجميع من مواطنين ومقيمين، حيث تشاهد الازدحام داخل الدوار والجميع لا يعرف لمن الأفضلية هل هو للقادم من اليسار؟ أو الذي يريد الدخول في الدوار، وكذلك ربط حزام الأمان، واستخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، ورمي المخلفات من المركبة أثناء السير، والتوقف الخاطئ عند الإشارات، وتظليل السيارة بالكامل من قبل بعض الشباب حيث انتشرت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة انتشاراً كبيراً بين فئات الشباب، وغيرها من الأنظمة المرورية التي تحتاج إلى الاهتمام والمتابعة والتطبيق من قبل المرور، والقضاء على تلك السلبيات من خلال تطبيق النظام وفرض عقوبات واضحة للجميع على المخالفين لتلك الأنظمة المرورية، لتكتمل بذلك منظومة المرور، وحينها سيتقبل المجتمع أي قرار أو تنظيم مروري قادم بكل رحابة صدر وقناعة، ويشعر كل مواطن بأن هذا النظام المروري الشامل لا يقتصر على أنظمة ويتجاهل أنظمة أخرى، وإنما يهدف هذا المشروع إلى حمايته من الحوادث المرورية، ومن التجاوزات المزعجة التي يحدثها بعض الفئات في المجتمع. وفي الختام آمل من جميع الجهات الحكومية وخاصة الخدمية منها أن تجعل من نجاح مشروع ساهر في تطبيقه للنظام حافزاً لها في تطبيق أنظمة جديدة ومفيدة للمواطن ومتابعة تلك الأنظمة وتفعيلها لأن المتابعة هي محور نجاح أي مشروع، حيث إن المجتمع لديه القابلية والاستعداد لتقبل مثل هذه القرارات والأنظمة متى ما كان هناك جدية في متابعة تطبيقها وإصدار عقوبات تجاه المخالفين لها فبإذن الله سوف نمضي نحو التقدم والازدهار بتطبيقنا واحترامنا لهه الأنظمة