هل الجمعيات الخيرية تكمل النقص الذي يبدو جلياً في إيصال الزكاة لمستحقيها؟ من هنا ابدأ التفكير معكم بصوت مقروء حول وضع أراه غريباً وأتمنى التصحيح ممن يفقه أكثر مني في فريضة الزكاة ثم ممن يعرف أكثر مني في طبيعة العمل الخيري في المملكة. في البدء، لا بد من التأكيد على استثناء الجمعيات المتخصصة، في فئة ما، أو إعاقة ما، والتي لها أهداف محددة لخدمة شريحة من المرضى أو أصحاب الوضع الصحي أو الاجتماعي المختلف، والقائمة هنا طويلة لكن للاسترشاد اذكر أمثلة مثل جمعية المعاقين، جمعية مرضى الفشل الكلوي، جمعية رعاية الأيتام، جمعية سمعية، وجمعيات مكافحة أو التوعية بأنواع مختلفة من السرطان والأمراض شفى الله المبتلين بها، وأعاذ البقية منها بقدرته وعظمته، وكل الجمعيات المتخصصة المماثلة. نعرف أن عدد الجمعيات لدينا قليل جداً مقارنة بشعوب ودول أخرى أرست معايير مختلفة للعمل الخيري، لكننا نعرف أيضاً أن المفروض هو أن جميع المستحقين والمساكين ممن ترعاهم هذه الجمعيات يدخل معظمهم في مستحقي الزكاة، فهل ما تقوم به الجمعيات مكمل لدور الضمان أو مصلحة الزكاة والدخل؟ لا يبدو الأمر كذلك لأنها تعتمد على تبرع اختياري، وليس على ما تفرضه الشريعة ويحرص ولي الأمر على إنفاذه. هل من يدفعون أموالاً لأهداف عامة أبرزها مساعدة الفقراء والمساكين، يكفرون عن تقصيرهم مع مصلحة الزكاة، أو تراهم يزكون أموالاً لا يستطيعون إيرادها في بياناتهم المقدمة لها؟ والسؤال الأهم: هل هذه الجمعيات لديها قوائم مستحقين ترعاهم، فلماذا لا ترفع بهم إلى الحكومة، ممثلة في الضمان؟ هل لأنهم يعتقدون أن ما يصرفه الضمان لا يكفي وبالتالي هم يساندونه بطريقتهم. نعرف أن ما يصرفه الضمان لا يكفي، لكننا أيضاً نعرف أن ما يدفعه المكلفون أيضاً لا يكفي، ولو دفع كل من لديه نصاب حال عليه الحول زكاته لتم تصدير الزكاة لفقراء خارج حدود الوطن. يجب أن لا نأخذ الأمر على انه هجوم على الجمعيات أو محاولة للتشكيك في أعمالها، لكنه محاولة للمقاربة بين أهدافهم النبيلة، وواقع الحال، والمباعدة بينهم وبين استغلالهم من فئات غالبها يعمل معهم بشكل جزئي غير رسمي، والأهم الوصول إلى الهدف المشترك لكل تبرع وصدقة وهو اعفاف الناس المستحقين. ثقافة التوزيع أحالت أحياناً إلى الاتكالية، بينما نرى في ثقافة عمل الجمعيات المتخصصة وواضحة الأهداف والشرائح تميزاً نوعياً أفضى إلى مساعدة مجتمع معين داخل مجتمعنا الكبير ببرامج نوعية تلمس فيها روح الاستثمار للمستقبل وتعرف تحديداً كيف جمعت الأموال وكيف أنفقت. سيأتي اليوم الذي تلزم الجمعيات الخيرية بإعلان قوائمها المالية، وستتضح المفارقات بين الدخل والإنفاق، وشرائح المستفيدون، ليس للرأي العام ولصاحب القرار فقط، ولكن للخيرين المانحين الذين يحسنون الظن. أحس أن الفقر والعوز كان شماعة لم تعلق عليها أسئلة الفقراء واحتياجاتهم بقدر ما تعلقت بها أشياء كثيرة أتمنى أن يكون حدسي فيها خاطئاً.