أحمد عبدالرحمن العرفج - المدينة السعودية لم يَتوقَّف رَائد الصَّحافة المصريّة الرَّاحل «مصطفى أمين»؛ عن إدهَاشي وإذهَالي، وإدخال البَهجة إلى قَلبي، رَغم مرور ثَلاثة عَشر عَامًا وأكثر مِن أربعة أشهر عَلى وَفاته، ولا أملك إزَاء صَنيعه هذا إلَّا الدُّعاء له بالرَّحمة والغُفران، لأنَّ ذَلك خَير لمَن ذَهب إلى جَوار رَبه مِن كنوز الدُّنيا! حَسنًا لطَالما سَألتُ نَفسي عن سرّ ازدرَاء الأشقَّاء المَصريين للمُحامي حِين يُسمّونه «مِتْر»، وهو نَفس الاسم الذي يُطلقونه عَلى النَّادِل، ووَجدتُ الإجابة أخيرًا في كِتَاب الرَّاحِل «مصطفى أمين» (ال200 فكرة)، حيثُ يَقول: (إنَّ مهنة المُحاماة في مَصر كَانت إلى أوائل الاحتلال البريطاني مهنة مُحتَقرة، لا يَعمل بها الرَّجُل المُحترم، وتَرفض الأسرة المُحترمة أن تُزوِّج ابنتها إلى أي رَجُل يَعمل بالمُحاماة، وكَان النَّائب العَام قد أصدر مَنشورًا يُحذِّر فيه القُضاة مِن الجلوس بجَانب المُحامين، أو الاختلاط بهم، لأنَّ هذا لا يَتَّفق مَع كَرامتهم)! ويعتبر «مصطفى أمين» أنَّ «سعد زغلول» قرَّر أن يُصبح مُحاميًا، ليُطهِّر هذه المهنة باستقَامته ويُنظِّفها بأمَانته، ويَجعل لها المَكانة المُحترمة التي كَانت للمُحامين في أوروبا، حين وَجد أنَّ المُحامين يُمارسون النَّصب والاحتيال، ويَخونون الزَّبائن، ويَتَّفقون مع خصوم مُوكّليهم ونقل عن «سعد زغلول» قَوله: (واشتغلت بالمُحاماة مُتنكِّرًا عَن أهلي وأصحَابي، وكُلَّما سَألني سَائل هل صِرت مُحاميًا؟ قُلت: مَعاذ الله أن أكون كقَومٍ خَاسرين)! ويرى «مصطفى أمين» أنَّ «سعد زغلول» استطاع في سَنواتٍ قَليلة أن يَجعل المُحاماة في مصر مِهنة مُحترمة، وكان أوّل مُحام في تَاريخ مصر عُيّن مُستشارًا -أي قَاضيا- في مَحكمة الاستئناف، رَغم أن إيراده الشَّهري مِن المُحاماة عَشرة أضعاف مُرتّبه كمُستشار، ولكنَّه قَبِل مَنصب المُستشار ليُثبت أنَّ المُحامي المصري أصبح جَديرًا لأن يَجلس في مَنصب أكبر القُضاة! وحين أصبح «سعد زغلول» أوّل مُحام في مصر؛ يَرأس مَجلس الوزراء، أتَاح للمُحامين فُرصة؛ للعب دور بارز في ثَورة 1919، وبحسب «مصطفى أمين» فقد جَرَت انتخابات نَقيب المُحامين، وانتَخَب المُحامون «مُرقص حنّا» عضو الوَفد المَحكوم عليه بالإعدام نَقيبًا للمُحامين، وانتخبوا «محمد أبوشادي» الذي نَفاه الإنجليز إلى واحة المحاريق في الصحراء وَكيلًا لنقابة المُحامين! ويَذكر «مصطفى أمين» أنَّ «سعد زغلول» عندما بَدأ ثَورته طَلب مِن الشَّعب أن يُوقّع لَه تَوكيلًا بتولِّيه المُطالبة بالاستقلال، كالتَّوكيل الذي يُوقّعه صَاحب القَضيّة للمُحامي، ووقَّع الشَّعب المصري كُلّه عَلى هَذا التَّوكيل! فهل كَان «سعد زغلول» استثناءً مِن القَاعدة التي تَقول بأنَّ: تُفَّاحة وَاحدة فَاسدة تَستطيع أن تُفسد كُلّ التُّفَّاح المَوجود في الصَّندوق، بينما لا يَستطيع كُلّ التُّفَّاح الجيّد في الصَّندوق أن يُصلح تُفَّاحة وَاحدة فَاسدة؟!.