سعر الأضحية اليوم هو نفس سعرها أيام عصر النبوة. وسبب شكوى الناس اليوم من ارتفاع أسعار الأضاحي بسبب أن نسبة سعرها أصبح غاليا مقارنة بالسلع الأخرى إذا قورنت بالعصر النبوي. فمن تتبع الأحاديث النبوية سنجد أن الشاة أيام النبوة كانت بدينار ذهبي (4.25 غرام) والبعير بأوقية ذهب (أونصة، 28.35 غرام). ومتوسط سعر الغنم والإبل اليوم إذا قُومت بالذهب هو نفسه أيام النبوة. فمتوسط سعر الغنم في العالم هو 800 ريال سعودي أي قيمة دينار ذهبي تقريبا بأسعار اليوم. والأمر نفسه ينسحب على الإبل فمتوسط سعرها اليوم هو 5000 ريال سعودي أي قيمة أونصة من الذهب اليوم. ولكن الأمر لا ينضبط لو أردنا أن نطرد هذه القاعدة على جميع السلع في عصر النبوة. فعلى سبيل التمثيل، لو أردنا أن نقارن بين أسعار الدجاج آنذاك وسعره اليوم باستخدام الذهب لوجدنا أن أسعاره قد انخفضت انخفاضا شديدا. وسبب ذلك هو دخول الآلة والتكنولوجيا في صناعة الدجاج، مما ضاعف إنتاجه أضعافا كثيرة. فأسعار درزن البيض في أمريكا عام 1920م (60 سنتا)، وقيمة غرام الذهب (70 سنتا) آنذاك -أي درزن البيض بغرام ذهب تقريبا-. وأما أسعاره اليوم فهي في المتوسط 150 سنتا وقيمة غرام الذهب اليوم (5000 سنت)، أي أن درزن البيض اليوم ب( 0.03 غرام ذهب) اليوم. أي أن سعر البيض عام 1920 أكثر من سعر اليوم ب 30 ضعفا بمقياس الذهب. بينما أسعار لحم البقر عندهم لم تتغير إذا قيست بالذهب، تماما كأسعار الغنم والإبل لم تتغير منذ عصر النبوة بمقياس الذهب. ولذا يستخدم الاقتصاديون سلة من السلع في قياس مستوى التضخم (يجددون محتوياتها بتجدد احتياجات الناس عبر السنين). لذا فلو أردنا أن نسحب هذه القاعدة (ثبات القوة الشرائية للذهب) على سلة من مشتريات المستهلك لوجدنا مطردة. ففي الأحوال العادية (لا حرب ولا كوارث)، سنجد أن أسعار سلة سلع المستهلك -إذا رُبطت قيمتها بالذهب- لم تتغير منذ عام 1200 م، وهذا العام هو أقدم ما يمكن الوصول إليه من معلومات. ولكن بوجود الأحاديث النبوية نستطيع أن نؤكد هذا الثبات النسبي في الأسعار إلى عصر النبوة، إذا قيست بالذهب، بينما تضاعف سعر سلة السلع أكثر من 15 ضعفا خلال القرن الماضي إذا قيست بالفلوس. هذا الارتفاع الكبير لقيم بعض السلع على حساب قيم سلع الأخرى لم يبدأ إلا منذ أوائل القرن الماضي وما ذاك إلا لسببين مهمين: خروج الذهب من النظام المالي وأثار الآلة والتكنولوجيا على الإنتاج. فالآلة والتكنولوجيا ضاعفت من إنتاج البيض أضعافا عديدة ولكنها عجزت أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة للبقر والغنم، فانخفض سعر البيض بينما ثبت سعر الغنم والبقر بالنسبة للذهب. وقس على هذا السلع كلها في إمكانية أثر الآلة والتكنولوجيا على زيادة إنتاجها. ولذا فقد أصبح الربط بالذهب مستحيلا ومدمرا للنمو الاقتصادي العالمي. فما كان العالم ليستثمر في الآلة والتكنولوجيا لو كان الذهب هو عملة التبادل، لأن الذهب محدود وكمية الإنتاج بشكل عام للسلع تعاظمت أعظم بكثير من زيادة كميات الذهب مما سيؤدي إلى انخفاض أسعار السلع التي تؤثر التكنولوجيا والآلة في إنتاجها مما سيقضي على الاستثمار. فالمستثمر لا يستثمر إذا كان يرى أن قيمة استثماره تتضاءل مع الزمن. ولذا أُخرج الذهب من النظام المالي وحلّ محله نظام يطبع الفلوس بكميات متزايدة تقابل زيادة الإنتاج، كما تدفع عملية الابتكار والاختراع لإيجاد سلع جديدة لا يزاحمها في أسعارها قلة السيولة النقدية المتوافرة للسلع القديمة. إن مما سكت عنه أن هذا المقال لا يعجب كثير من فقهائنا لأنه يقضي على آخر حجة لهم يحتجون بها على ربوية الفلوس المعاصرة، كما أنه يكشف عن ضحالة اطروحات الاقتصاد الإسلامي التي ما هي إلا ترداد لاقتصاديات الاشتراكيين واقتصاديات القرن الثامن عشر ميلادي.