زياد بن عبدالله الدريس الحياة اللندنية «اليوم» هو يوم مختلف في مسار اليونسكو .. يوم أبيض، وليس أسود كما وصفه أحدهم! كنت في المرات السابقة عندما تطلب بعض الدول الكلمة لتهنئ بالوصول إلى قرارات توافقية .. لا طعم لها، أجد ثقيلاً عليّ أن أهنئ أو أشكر. ليس لأني ضد التوافق .. قطعاً، لكني ضد التوافق على قرار لا موقف فيه. ثم إني لم أكن استطيع أن أفهم كيف يمكن الوصول إلى قرار توافقي مع «الجاني» .. في سبيل إدانة الجاني نفسه، ما لم يكن ذلك القرار التوافقي مفرّغاً من محتواه وفارغاً من أي موقف؟! بلادي، المملكة العربية السعودية، كانت ولا تزال دوماً مع كل جهد إيجابي يقود إلى التوافق والتقارب .. لكننا نريد توافقاً لا يبرر للظالم أو المحتل الاستمرار في ممارساته العنصرية. نريد توافقاً ليس على حساب حقوق المستضعفين والمظلومين من الشعوب. اليوم، باتخاذ هذه القرارات الخمسة ضد الاحتلال الإسرائيلي، أهنئ وأشكر اليونسكو. (القرارات عن: منحدر باب المغاربة بالمسجد الأقصى، والحفاظ على الهوية والتراث الثقافي للقدس، ورفض واستنكار تسجيل الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح في لائحة التراث اليهودي، وأوضاع المؤسسات التعليمية والثقافية في الأراضي العربية المحتلة، وإعادة بناء وتنمية قطاع غزة). أعرف أننا لم ننتصر بهذه القرارات للمضطهدين في الأراضي المحتلة .. لكننا انتصرنا للضمير العالمي، ضمير اليونسكو الذي كاد أن يضمر أو يختفي، لكن لحسن الحظ أنه يعود إلى عافيته الآن في عهد المدير العام الجديد للمنظمة السيدة إرينا بوكوفا، السيدة التي تتعهد ثقافة السلام وتتبناها، لكنها تدرك أن السلام لا يتأتى بالسكوت على الظلم والعنصرية ضد الشعوب. ننتصر اليوم لهيبة اليونسكو ولاحترامها وحيادها. حين كان يتردد صباح اليوم، في ردهات اليونسكو، أننا وصلنا الى «طريق مسدود» في المفاوضات بين الأطراف المعنية، لم استطع أن أخفي سعادتي بأننا وصلنا أخيراً إلى طريق مسدود، لأني أعرف أن أنجح العمليات الجراحية لإنقاذ حياة إنسان لا يتخذ الطبيب القرار بها إلا عندما يصل إلى طريق مسدود من العلاجات المهدئة والمؤجِلة .. لقرار الموت! التوقف عند طريق مسدود أفضل من السير في طريق موحل أو ملغوم. الطريق المسدود الذي وصلنا إليه اليوم فتح لنا خمسة طرق جديدة للانتصار لكرامة الإنسان، أعلم أنها طرق صغيرة وضئيلة، وأن حاجة الإنسان الفلسطيني هناك أكبر بكثير من مجرد قرارات دولية، لكنها على أي حال أفضل من الطريق الموحلة. شكراً لكم .. وشكراً للطريق المسدود! * سفير المملكة العربية السعودية لدى اليونسكو، وهذه هي المداخلة التي قدمها أمام المجلس التنفيذي للمنظمة، في أعقاب التصويت على القرارات الخمسة بشأن فلسطين والأراضي العربية المحتلة، يوم 18/10/2010.