أحمد الفراج *نقلا عن "الحياة" الطبعة السعودية. كتبت نادين البدير مقالاً مثيراً في إحدى الصحف الخليجية، وأنا هنا لست بصدد الحديث عن الكاتبة ولا عن المقال، وإن كنت أرى أنها تشارك أحياناً – من دون قصد - في خلط الأوراق، فما طالبت فيه بمقالها الآنف الذكر يتعلق بالحرية الشخصية التي تأتي في آخر أولويات «الليبرالية الحقيقية» التي لا يزال هناك قصور عميق في فهمها لدى كثير من المثقفين، لذا لم أستغرب أن يكون هناك استنكار لما قالته، لا من المحافظين فقط، ولكن أيضاً من مجموعة كبيرة من المثقفين المحسوبين على التيار الليبرالي، لاعتقادهم بأن مثل هذه المطالب التي تدعو إليها ستؤثر سلباً على حركة التنوير العقلانية التي تسير على وتيرة منتظمة في وطننا العزيز هذه الأيام. ورداً على ما قالته الكاتبة فقد طالب القاضي بمحكمة القطيف الشيخ مطرف البشر بسحب الجنسية منها! وقال نصاً «مقالات هذه الكاتبة دعوة إلى الفجور والفسق، ويجب على الأقل أن تسحب الجنسية منها، لكي لا تحسب على هذه البلاد الطاهرة الشريفة»، ومع أنني أختلف مع بعض ما تطرحه الكاتبة المحترمة، إلا أنني أرى أنها قالت رأيها الذي لم يتسبب بالأذى الحسي لأحد، فهو مثل الكلام الذي يقوله كثير من الناس في المجالس الخاصة، كما أن بالإمكان مقاضاتها إذا اتضح أنها أخطأت بحق أي أحد، ولكني أستغرب أن يثور الشيخ كل هذه الثورة ويطالب بتجريدها من الجنسية لمجرد رأي غير موفق، في الوقت الذي لا نسمع له همساً ولا لغيره من مشايخنا الفضلاء عندما تنشر الصحف عن الذي جمع أموال الضعفاء والأرامل وفر بها إلى حيث حياة الترف، بعد أن كان إماماً زاهداً، أو عن أحد المحسوبين على الدين الذي شاهد العالم كله فيلماً مصوراً له مخلاً بالآداب العامة، أو عن تجاوزات بعض رجال العدالة الذين تم إيقاف بعضهم والتحقيق معهم لاستخدامهم الوظيفة العامة من أجل المكاسب الشخصية، أو عن المتهمين بالإرهاب الذين يريدون أن يدمروا البلد على رؤوس أهله، فلم أسمع أياً من أحبائي المشايخ يطالب بسحب الجنسية من هؤلاء، إلا إذا كانوا يعتقدون أن رأي شابة مسالمة في صحيفة غير سعودية أشد خطراً من مثل هؤلاء، فهذا فوق قدرتي على الاستيعاب. وفي السياق ذاته طالب عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يعقوب الباحسين وسائل الإعلام بمنع المقالات التي تثير البلبلة وتطعن في بديهيات الشرع، مضيفاً: «إنه لا بد أن يكون هناك رقيب شرعي في كل وسيلة إعلامية، وهذا هو مقترح هيئة كبار العلماء الذي سوف يتم تطبيقه مستقبلاً»، أحترم الشيخ العزيز وكنت من أسعد الناس باختياره عضواً بالهيئة الموقرة ليقيني بأنه يحمل رؤية شرعية معتدلة وروحاً إسلامية متسامحة، ولذا فقد استغربت أن يصدر مثل هذا ممن هو مثله، إذ كان حرياً به أن يدرك أن المقال المذكور نشر بصحيفة غير سعودية، ويستحيل أن ينشر في أي من صحفنا، لذا فإن مطالباته تعتبر خارج السياق، أما اقتراح الهيئة الموقرة بوجود رقيب شرعي في كل وسيلة إعلامية فهو غريب حقاً لأن علماءنا الأجلاء – وهو منهم - يعلمون أن وسائلنا الإعلامية مؤسسات تعمل تحت رقابة ولي الأمر الذي يذكرنا دوماً عبر الإعلام ذاته بأن دستورنا هو القرآن والسنة، كما أن العاملين في الإعلام – كتاباً وصحافيين - مواطنون مخلصون ومسلمون موحدون لديهم رقابة ذاتية يمليها عليهم دينهم وإخلاصهم لوطنهم، وأهم من كل هذا ثقة ولاة الأمر بهم وبما يقومون به. وختاماً، نأمل أن يعلم شيخنا الباحسين وعلماؤنا الموقرون أن العالم أصبح قرية صغيرة، وأن الإنتاج البشري مثل السيل الجارف الذي لا قبل لنا به، وأن ما يُنشر ويُقال خارج نطاق الوطن ومؤسساته ليس من اختصاصنا، فلسنا أوصياءً على سكان المعمورة!