محمد عبد اللطيف آل الشيخ - الجزيرة السعودية أول مُدافِعة عن المرأة وحقوقها عرفها تاريخ الإسلام كانت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -؛ فمن يقرأ سيرتها، وأخبارها، وتعليقاتها على الأحداث التي عاصرتها يجد أن هذا الموقف أحد ثوابت سيرتها. ورغم أن كثيراً من أهل السنة والجماعة هَبّوا للرد على داعية التعصب والبغضاء والطائفية (ياسر الحبيب) عندما تعدى على هذه المرأة العظيمة بالشتم والسب والتجريح، إلا أنَّ دفاعها عن المرأة، ورفضها لتحقيرها، مواقف لم يتطرق إليها أحد حسب ما اطلعت عليه من أعمال إعلامية، وكما يقولون: إذا عُرف السبب بطل العجب؛ فالتعصب للعادات والتقاليد أصبح في كثير من الأحيان معياراً يتم من خلاله (فلترة) المعلومات التاريخية؛ خاصة عندما تكون هذه المعلومات تدحض حُجج دعاة التشدد وتحقير المرأة. هذه المرأة الشامخة العظيمة كان لها مواقف مشهودة على أرض الواقع، وأقوال ثابتة، عبَّرت فيها أصدق تعبير عن موقف الإسلام من المرأة، ولاسيما أنها أقرب الناس إلى الرسول، وأعرفهم بسيرته وسنته، بل كانت ترد بعض الأحاديث، أو تعترض على معانيها، عندما تجدها تَمَس من قدر المرأة بوصفها إنساناً. كما أن تاريخها كان نموذجاً يُحتذى لنشاطات المرأة المسلمة في الحياة. وسوف أستعرض هنا نزراً قليلاً من سيرتها في هذا الجانب على وجه الخصوص. كانت - رضي الله عنها - تحظى بتقدير واحترام كبيرين بين أصحابه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك التقدير فقط لأنها زوجة رسول الله، وأقرب نسائه إليه، وإنما لأنها - أيضاً - كانت بالفعل شخصية مؤثرة، ومُتميزة، بكل ما تحمله كلمة تميز من معنى. يقول أبو موسى الأشعرى: (ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها علما فيه). وقال عطاء بن أبي رباح: (كانت أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة). وقال عروة بن الزبير: (ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة). وروى أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرحل: الحمار والمرأة والكلب الأسود). فلما سمعت أم المؤمنين بهذا الحديث أنكرته، وقالت: بئسما شبهتمونا بالحمير والكلاب!. وقد ذهب إلى هذا المنحى الإمام مالك وكذلك أبو حنيفة والشافعي - رضي الله عنهم - وغيرهم من الفقهاء، فلم يُبطلوا الصلاة بمرور شيء مما جاء في هذا الحديث. ولعلَّ قيادتها لمعركة الجمل مع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام تثبت أن المرأة في عصر الرسالة كان لها من القيمة والحقوق والمكانة والدور الاجتماعي ما يدحض حُجج أصحاب التشدد الحاطين من مكانة المرأة وقَدرِها، وإلصاق مثل هذه العادات بالإسلام. سيرة هذه المرأة العظيمة، وبالذات نشاطاتها السياسية والعسكرية والتعليمية والاجتماعية، تجعل مرافعات دعاة إقصاء المرأة عن النشاطات الحياتية، كما هو ديدن المتشددين في بلادنا، لا قيمة لها؛ ولعل هذا الجانب هو ما تعمّدَ الكثيرون تجاوزه في مرافعاتهم للذب عنها تجاه محاولات هذا النكرة الشيعي المتعصب الإساءة إلى هذه المرأة الماجدة. إلى اللقاء.