محمد صادق دياب - الشرق الاوسط اللندنية من كتب الدكتور غازي القصيبي الوداعية كتابه الجميل «الوزير المرافق»، وهو كتاب يستعصي على التأجيل، فإن لامست عيناك بعض سطوره فإنه سيصعب انصرافك عنه قبل بلوغ الصفحة الأخيرة، فهو في هذا الكتاب يرسم بالكلمات صورا وملامح مثيرة لعدد من زعماء العالم، تعرف عليهم خلال عمله الطويل كوزير، ومن هؤلاء الزعماء: عيدي أمين، معمر القذافي، الحبيب بورقيبة، نيكسون، جيمي كارتر، ميتران، هيلموت كول، أنديرا غاندي، وغيرهم. يصف القصيبي عيدي أمين بأنه غريب الأطوار إلى درجة تقترب من الحمق، وقد كانت غرابة أطواره مصدر إزعاج لأصدقائه قبل أعدائه، ويقول: «الأساطير المقترنة بحياته وتصرفاته تمتزج بالحقيقة على نحو يستحيل معه أن يعرف المرء متى تنتهي الأسطورة وتبدأ الحقيقة»، وينقل القصيبي عن الرئيس حافظ الأسد كيف أن عيدي أمين اقترح على الأسد أن يزوده بحرس خاص من أوغندا جميعهم من الأقزام، وكيف أن حجمهم سوف يساعدهم على تقديم الحماية بطريقة ممتازة، حيث بإمكانهم الاختباء تحت الكرسي الذي يجلس عليه الرئيس أو تحت الطاولة، ثم يظهرون فجأة في الوقت المناسب! ويصف القصيبي الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون فيقول: «كان نيكسون كما رأيته يختلف عن صورته كما تخيلتها، ربما كان عداء وسائل الإعلام الشهير له هو السبب، كان لونه ورديا ينبض بالصحة، بينما كنت أتصوره ذا لون شاحب رمادي، كان أطول مما تصورت، وأوسم مما تصورت، ويبدو أذكى مما تصورت، حتى أنفه الشهير كان يتعايش مع بقية ملامحه في سلام لم تظهره عدسات المصورين، ولا أقلام رسامي الكاريكاتور»، أما في حديثه عن «ميتران» فيشير إلى أنه لم يلمس فيه أي جاذبية جماهيرية، ولا روح الدعابة، فهو واجم معظم الوقت، متجهم الأسارير، وابتساماته النادرة بلا روح. ونجده يبدع في رسم صورة سيدة الهند الحديدية أنديرا غاندي، وهو يقارن بين الأصل والصورة، ويقول: «هي في الصورة امرأة قوية الشخصية، متعطشة للقوة، شديدة الدهاء، حديدية الإرادة، قاسية القسمات، لا حد لطموحها أو لعنادها»، أما الأصل الذي شاهدها عليه فيقول عنه: «امرأة في الرابعة والستين، ضئيلة، تتحدث بصوت هامس لا يكاد يسمع، لا يدل شكلها على إرادة عاتية، ولا يوحي مظهرها بأي تعطش للسلطة. لا يملك المرء إلا أن يشعر بالشفقة على هذه المرأة، التي تذكره بأم حانية، وضعتها الظروف موضع القيادة في أمة من سبعمائة مليون من البشر، كلهم يريدون الطعام والمأوى، والتعليم، وطيبات الحياة». تتأمل كتاب القصيبي «الوزير المرافق»، وتقول لذاتك: كم تختزن ذاكرة الكثيرين من مشاهد، ولكن من يقدر - غير القصيبي - على التصوير؟!