رحم الله الشيخ علي الطنطاوي الذي ربما كان أبرز عالم ديني متّعتنا ثقافته في المملكة.. ثقافته لم تكن محصورة بمذهب ديني معين، ولا باهتمامات أدبية أو علمية محددة، بقدر ما كان صاحب شمول بارز في العديد من الثقافات، وعندما كان في المملكة كان من الطبيعي أن يصطدم اتساع مفاهيمه ومعلوماته ببعض حالات القصور عند بعضٍ ممّن ينتمون إلى الثقافة الدينية، إلى درجة أنه كان يضع جهاز التسجيل أمامه حين يأتي حواره التلفزيوني ليكون شاهداً على إبطال أي شكوى ضد آرائه.. سأله مستمع.. ما هي مواصفات رجل الدين..؟ فأجاب بما معناه.. كل إنسان هو رجل دين.. شرح ذلك بأنه لا يعني خاصية الفتوى، وإنما يشير إلى أن الثقافة الإسلامية الأساسية في التحريم والتحليل والعبادات تتم تنشئة الأطفال والشباب عبر مفاهيمها كثقافة دينية عامة معروفة لدى الجميع.. في هذا المفهوم حجب للاجتهادات غير المؤهلة، لئلا تنشر الخلاف بين المسلمين.. والرجل في ثقافته دخل في خلاف مع الشاعر نزار قباني.. ومَنْ ذا يقرأ نزاراً ممّن هو تقليدي الثقافة الدينية.. ربما لا أحد.. وربما لو سُئلوا من هو نزار.. لتوقعوا أنه أحد فرسان داحس والغبراء، وليس شاعر الغزل الذي رفض الشيخ الطنطاوي معظم ابتذالاته.. فيما أتفق معه خصوصاً بذاءة استعراض العلاقة مع المرأة.. ليس الطنطاوي - رحمه الله - وحده البارز في ثقافة الإسلام، معظم الدول العربية تمتلئ بمرجعيات عميقة الثقافة، وواسعة الاطلاع.. شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي، والشيخ الراهن د. أحمد الطيب، والعالم المعتدل - رحمه الله - محمد حسين فضل الله، والشيخ القرضاوي، وشاهدت يوم الخميس حواراً في قناة العربية مع الشيخ محمد حسين الأمين وشدني عمق وتعدد ثقافاته وقراءاته.. هؤلاء نموذج لمستويات راقية في التعامل مع الفقه الإسلامي.. نحن المجتمع الإسلامي الأول.. منطلق الإسلام.. موقع الحرمين الشريفين، إذاً يفترض أن نحمي المفاهيم عنا، والتعامل معنا من اجتهادات فتاوى خاطئة.. هي اجتهاد أكثر مما هي يقين، ثم هي مؤهلة لأن تكون منطلق خلافات تتوغل في المجتمع فتسيء إلى وحدته وتقلل من أهمية أولويته في العالم الإسلامي الذي لم تتخل عنه الدولة السعودية في أي حقبة بما في ذلك تسهيلات الحج والعمرة والتواجد الداعم عند حدوث الأزمات أو الكوارث.. لا أريد أن أذكر أسماء معينة، لأنني لا أهدف إلى إثارة، لكن كلنا نذكر كيف كانت تصدر فتاوى بعيدة جداً عن الإجماع الإسلامي وكأنها تدعونا إلى عزلة دينية، كما لو كنا فئة دينية ضئيلة بين مجاميع فئات متواضعة الأهمية.. نحن كما سبقت الإشارة نملك العديد من الأهميات الدينية تاريخياً وجغرافياً، ولكي أضيف وثقافة دينية يجب أن تكون عبر مرجعية فقهية عالية المكانة وفي موقع صدارة رسمي واجتماعي.. وهو ما اتجه إليه الأمر الملكي الموجه إلى سماحة المفتي العام لكي يتجذر اليقين بحماية الدولة لأهمية الإفتاء وأن هناك محاسبة لأي تجاوز.. أي لن يكون شارعنا ميدان ضجيج لرؤية خاطئة وغير مؤهلة..