تركي الدخيل - الوطن السعودية التسامح لفظة فوقية! أرى أن المساواة البديل الأفضل للفظة التسامح الفوقية النرجسية. أن تتسامح الطائفة الفلانية مع تلك الطائفة، في نظري أن هذا مزعج على المستوى الفكري، والأجمل طرح المساواة بين الإنسان وأخيه الإنسان مهما كان الاختلاف كبيراً. أدونيس رأى في مفهوم التسامح تخطئة لا واعية للآخر الذي تم التسامح معه. يقسم التسامح الناس إلى مخطئ منحرف وإلى مصيب يتناسى الخطأ. ويشير إلى أن التسامح مفهوم "إحساني"؛ وليس مفهوماً "إنسانياً". يقول أدونيس: "ولا يكون القول بالتسامح في مثل هذه الحالة إلا نوعاً من العمل على إبقاء الفروقات بين الأكثرية والأقلية، مموهة بدهان النفاق الاجتماعي... يبدو لي أن التسامح خصوصاً كما يمارس اليوم نوعٌ من التمويه، عدا أنه يسهم في خلق كونية زائفة من حيث إنه يحافظ على التفاوت بين البشر وعلى التراتبية، بينما الحاجة الإنسانية إنما هي العمل لتحقيق المساواة". أستدل هنا بحالة إنسانية نادرة حازت على إعجابي كثيراً وأنا أتأملها. المذيعة: شذى عمر مثلاً؛ صارت من الأمهات القلائل اللواتي أنجبن أبناء من ديانتين مختلفتين، فهي مسلمة، وأنجبت من زوجها الأول المسلم، ومن زوجها الثاني المسيحي. صارت أماً لأبناء ينتمون لديانتين مختلفتين. وهي باقية على إسلامها. وزوجها المسيحي يقرئ ابنها الأكبر سورة الفاتحة، ويصححها له، ويخبره بتعاليم الإسلام. هكذا بكل بساطة. أظنّ أن هذا المشهد الإنساني جميل جداً، أن تصفو النفوس، وأن يتساوى الإنسان مع أخيه الإنسان بنفس المستوى من اللجوء إلى الصدق في احترام دين الإنسان الآخر. المختلف في تجربة هذه المذيعة أنها صارت أماً لأبناء من ديانتين مختلفتين، وهذا هو وجه السحر في هذه القصة. سيكون الأبناء سواسية عند أمهم في الحب، وسواسية عند والدهم أيضاً. إنه النموذج الأكثر وضوحاً عن التساوي المطلوب الذي يمكن أن يطهّر أجواءنا من سموم الحرب، والكراهية، والإلغاء والتصفيات. أن نلجأ إلى روح الدين، إلى معناه الحقيقي. أن نتطوّر بوعينا تجاه الآخر. من السهل أن يبذل الإنسان الكراهية للآخرين، لأن الكراهية نشاط سهل وكسول يتجاوب مع بريّة الإنسان، لكن ما جاءت به الأديان، وما حاولت التعاليم الإنسانية والإلهية الكبرى أن تعلمه الناس هو "الحب". من الصعب أن تحب من تجهله، لكن من السهل أن تكرهه. من الصعب أن يكون الإنسان أخلاقياً، على مستوى من الأدب والذوق وانتقاء العبارة وضبط النفس، لكن من السهل أن يكون الإنسان سوقياً بذيئاً. الثقافة هي الكفيلة إما بتوعية الناس وصقل الحب في نفوسهم، أو بتغذية الكراهية والشرور. وكل إناءٍ بما فيه ينضح.