تزدحم الخطابات العربية المعاصرة بحضور طاغٍ للمرأة توج إعلاميا بمتضادين؛ السلعة والخطيئة، وهو مشهد أصبح طاغيا في أي خطاب إعلامي يتناول المرأة العربية، الأمر الذي أدى إلى «تقديم صورة غير متوازنة لا تعكس تغيرات المجتمع المختلفة وتقدم صورة مهينة للمرأة وتعرضها، باعتبارها جسدا خالصا لا وظيفة له إلا الإثارة، أو دعاوى رجعية تدعو إلى التقهقر بالمرأة إلى الوراء» وفقا لرأي د. ناهد رمزي في المرأة والإعلام.. عالم متغير. إذا كنا نتفق بأن ما يقدم في وسائل الإعلام يمثل مرآة عاكسة ورجع صدى لثقافة المجتمع واتجاهاته، ما يعني طرح التساؤل عن مدى قدرة الإعلام على تقديم النماذج المعبرة عن تنوع حياة المرأة ومساهماتها في المجتمع؛ وفقا للتجربة والإدراك الموضوعي لواقعها بدلا من الاعتماد على العرف والعادة والموروث الاجتماعي، والأكثر من ذلك: هل نعرف المرأة انطلاقا من ذاتها الإنسانية ذات الحس والمبادرة والإنتاج أم من جسدها العورة أو جسدها الفاتن؟. يرى الباحث محمد يوسفي في كتابه (جسد الأنثى بين الخطاب الديني والخطاب الإعلامي) أن البرامج الدينية الباحثة عن تقنين سلوك المرأة وتقييد وجودها وصياغة قالب معين يصورها على أنها الجسد المغري و(التابو)؛ تمثل وجه العملة الآخر للفضائيات الغنائية المستبيحة لجسد المرأة وعرضها كبضاعة إغراء تدر أرباحا اقتصادية وتحقق -أحيانا- أغراضا سياسية واجتماعية.. واقعيا هذا النوع من الخطابات شكل أنموذجا محركا للمرأة العربية، يعتمد بشكل رئيس على مبدأ (الملكية المقدسة) القاضي بحبس ذلك الجسد العورة وحرمانه من حقوقه الطبيعية وحصر مهمته في الإنجاب وخدمة الزوج، مقابل مبدأ الملكية المشاعة من خلال إباحة الجسد واختصاره في أبعاد الإغراء والغواية والمتعة واللذة، وفي كليهما لم تتجاوز المرأة مرتبة الأمة قديما، وإشاعة التراتبية التفاضلية في مؤسسات الحريم والجواري والإماء التي شاعت في حقبة مضت وتستجر إعلاميا في حقبتنا بين خطابين احتكرا المرأة واختزلا قضاياها. الفضائيات العربية انطلاقا من هذين الشكلين لم تعمل على تحرير المرأة وتنوير وعيها بمقدار ما عملت على تعميق سلطة الرقابة القائمة على العرف لا على الدين، وبالتالي شل حراكها الاجتماعي في برامج ذات منتج عقيم، أو الارتكاز على الجسد وتحريره بالاتجاه المعاكس وتقديمه كسلعة خاضعة لآليات السوق والتوهم بأن ذلك عنوان للتقدم والتمدن، وهكذا يبقى (الجسد) هو المحور الأساس الذي يتعامل معه الإعلام العربي في قضايا المرأة ويقدم صورة تعكس واقعنا الاجتماعي، والدليل مفردات: المزة واللحمة!.