انزعج البعض من خبر عن أستاذ جامعي فرض على طلابه المشاركة في برنامج إذاعي يستضيفه والمقابل ثلاث درجات لكل متصل. “الجود من الموجود” والرجل ليس “حالة استثنائية”، عنصر التحكم لديه الدرجات وقيمتها معروفة، كما أن الحاجة لكثرة متصلين “قيمة” مهمة في البرامج المباشرة، الأخيرة مثل وليمة كبيرة فكيف لا يحضرها أحد! تخيل.. يستضيفك برنامج اتصالي من دون متصلين، “وين تودي... أذنك”! كانوا في السابق يرتّبون مسألة الاتصال “من ودك يتصل؟... طيب معك رقمه؟”، يعني ضيف “عشاه معه”. ثم إن في هذا تربية تطبيقية على إجادة لغة متفشية في المجتمع “شد لي واقطع”، قلت لصديقي الذي أرسل الخبر، “ما شفتو إلا هالضعيف”، ليس تبريراً معاذ الله، لكن تنبيه، لأن الصمت يتم على ما هو أكبر بكثير، ولكل صامت عذر يتذرع به، المصفّقون في الغالب سواء عن طريق الاتصال أو الكتابة وربما الصمت المبتسم، يتزاحمون على درجات الصعود ويهتبلون فرصاً على طريقة “جاك يا مهنا ما تمنى”، أمر مماثل للركض والتزاحم على المصاعد، ونحن في عصر “نفوق” من جراء استشراء النفاق، وهو ما ذكرني بمسلسل مصري قديم لفؤاد المهندس، زبدة المسلسل وعموده اكتشاف حبوب لمنع النفاق، ولك تخيل ماذا يحدث بين الموظف والمدير، والسكرتير والوزير ومذيع نشرة الأخبار على الهواء؟ ولأن للشاي لدينا اعتباراً رئيسياً، خصوصاً مع النعناع وقوالب السكر، تخيل أن يتم “تموين” قهاوي جهات حكومية بحبوب منع النفاق لمدة يوم واحد، شرط أن يكون يوم دوام.. ماذا يمكن أن يحدث؟ لكن لو حصلت على وكالة بيع حبوب منع النفاق لن يشتري منك أحد إلا بالسر، وسيدس للناس في مشاربهم بالسر أيضاً، وربما لاحقاً... تلاحق أمنياً وتعتبر مروّجاً ل “المفضفضات”! أو تخيل أن يخصص يوم واحد في السنة للصدق، يوم واحد فقط، يتم التعهد فيه بعدم مضايقة من يصدق القول، ولا أتحدث عن رأي في الأشخاص بقدر ما أركز على رأي في الأعمال ونتائجها. إن كانت لدينا آفات. فالنفاق يتربع على رأس القائمة، والصدق والصراحة لا يعنيان قلة الحياء أو سوء الأدب، وتخيل عدد الصامتين الذين يرون أمراً هم متأكدون أنه خطأ ويسكتون عنه حذراً من الاصطدام بسقف، الأخير يحدث خدوشاً وربما رضوضاً، والمزعج أن بعضهم لا يكتفون بالصمت بل يشاركون كجزء مستفيد، ولم أتطرق لمن يزين الخطأ ويسوغه ويزخرفه، لأن هذه الفئة منتهية الصلاحية... لا أمل فيها. وبالأمس قرأت خبراً عن “عمالة” جهزت جملاً... “نافقاً”! للبيع في مطعم، قلت حتى الجمل إذا نفق وقيل عنه إنه “نافق” يجد له مسوّقين ويأكله الزبائن شاكرين ويدوّن “بائعه” تعهداً بالتوبة “ما يسوى” قيمة القلم “الناشف” الذي كتب به.