لا يستطيع أي إنسان أن يعرف موقعه على خريطة النجاح الدنيوية والأخروية إلا إذا نظر إلى أقرانه، وكلِّ أولئك الذين يعيشون في ظروف قريبة من ظروفه . ونحن في الحقيقة في حاجة إلى نوعين من المقارنة : مقارنة على صعيد ما وهبنا الله تعالى إياه ، ومقارنة على صعيد كسبنا وجهدنا الشخصي . أما على الصعيد الأول فقد وجَّهنا صلى الله عليه وسلم إلى أن نقارن أنفسنا بمن هم دوننا حيث صح عنه أنه قال : ((انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر ، أن لا تزدروا نعمة الله عليكم )) . إذا نظرنا لمن هم دوننا في الجمال و الذكاء والحسب والنسب والمال والشكل والقوة البدنية .. فإننا سنعرف عظم ما أفاضه الله علينا من خيراته وبركاته ، وهذا يدفعنا إلى حمده وشكره والثناء عليه . أما على صعيد الجهد والكسب ، فإن علينا أن ننظر إلى من هم فوقنا ، لننظر إلى أن أولئك الذين يصلون ويصومون ويتصدقون .. أكثر منا ، ولننظر إلى أهل الإرادات العظيمة والأخلاق الفاضلة كي نقبس منهم ، ونهتدي بهديهم . إن النظر إلى من هم فوقنا يَقِينا من داء الكبر والغرور ، ويجعلنا نتهم أنفسنا ونبحث في تقصيرنا كما أنه يَستَحِثنا على بذل المزيد من الجهد . وما أجمل قول الله جل وعلا : ((وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، )) ولنا مشكل كبير مع فئتين من المسلمين . فئة ترفض شعورياً وسلوكياً أي مقارنة ، فإذا قال الرجل لامرأته: انظري إلى تربية آل فلان لأولادهم ، وكيف أنهم قد نجحوا في ذلك أكثر منا ، قالت له : مالنا وللناس ، وظروفنا غير ظروفهم ! وإذا قالت المرأة لزوجها : انظر إلى جارنا كيف يصلي دائماً في الصف الأول ، وأنت تصلي في البيت ، قال لها هذا ليس من عملك ، أو يقول لها جارنا هذا غشاش أو متكبر ، أو ... أي أنه أفضل منه أما الفئة الثانية فهي ، تقارن نفسها بغيرها لكن على نحو معكوس ، فهم ينظرون إلى من هم فوقهم في المال والصحة والنسب .. فيحسدونهم ، ويزدرون نعم الله تعالى عليهم وينظرون في أمور العبادة والصلاح إلى من هم دونهم ، فيرضون عن أنفسهم و يحجمون عن التغيير والإصلاح . أسأل الله تعالى أن يلهمنا حمد ه وشكره ، وأن يبصِّرنا بعيوبنا ، ويعيننا على أمور ديننا ودنيانا . وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. محبكم د.عبد الكريم بكار