حمد بن عبد الله القاضي - الجزيرة السعودية رحم الله الخليفة عمر بن الخطاب الذي أوصى أحد قضاته: «لا يمنعك هوى أن ترجع عن قضاء قضيته إذا رأيت الحق في غيره». مراجعة النفس والآراء منهج جميل لا يستثنى منه أحد: العوام والعلماء المتميزون والدهماء، لكن الرائع من يملك الشجاعة فيتراجع عن الخطأ عندما يتبين له الصواب، ولا نحصي عدد العلماء الأخيار والربانيين الذي رجعوا وصححوا فتاويهم على مدى تاريخ الفقه الإسلامي وهذه منقبة لهم لا مثلبة عليهم. من هنا فبقدر ما انزعج المجتمع من بعض الفتاوى من بعض المشائخ، فقد قدر الناس لبعض المشائخ الذين تراجعوا أو صححوا بعض ما أفتوا به، فهذا الشيخ أحمد قاسم الغامدي الذي أطلق فتواه بحكم صلاة الجماعة يتراجع أو بالأحرى يرجع إلى الصواب فها هو في آخر حوار معه في ملحق (الرسالة) بصحيفة (المدينة) الجمعة 21-6-1431ه يقول: (من أعظم جوانب الخير الحرص على أداء الصلاة كما أمر الله بها بخشوع وخضوع ورغبة وتذلل، والحرص عليها جماعة قدر المستطاع، لما في المحافظة عليها في الجماعة من فضل ودرجات لا تفوت إلا على من حرم نفسه، فهي من أعظم شعائر الإيمان وبإقامتها يتحقق ذكر الله وتحسن الصلة بالخالق والخلق وتكمل وتتحقق بها معاني الأخوة الإيمانية والتنافس في الخير فأداؤها جماعة من أسباب الخير والفلاح للفرد والمجتمع). لقد سعدت شخصياً بهذا التصحيح وبخاصة عندما يأتي من صاحب الفتوى نفسه، وها هو الشيخ عادل الكلباني هو الآخر يراجع فتواه الأخيرة عن الغناء فها هو يؤكد قبل أيام في صحيفة (المدينة) بتاريخ 21-6-1431ه :(أنه لا يسمع الغناء ولا يقره ولا يدعو إليه وإنما نقل عنه أخرج عن سياق حديثه) إلخ حديثه في الصحيفة التي صحح فيها أكثر من مرة ما نقل عنه. وها هو أخيراً الشيخ عبدالمحسن العبيكان يوضح فتواه حول (إرضاع الكبير) بل يبدي انزاعده من الفهم الخاطئ لفتواه، والتوسع فيها حيث حدد لها حالة خاصة ومحدودة، إذ يقول في آخر حديث له في صحيفة (البلاد) بتاريخ 23-6-1431ه: (إنني لم أقصد عندما أجزت (رضاعة الكبير) ترك الأمر على عواهنه لأي شخص أو أنني أؤيد ما أفتى به أحد علماء مصر بجواز إرضاع الموظفة لزميلها منعاً للخلوة.. وكان قصدي لمن يعيش في المنزل من أجل ضرورة مثل من يؤتى به من ملجأ أو (لقيط) ونحوه لكنني لا أجيز إرضاع السائق أو الخادم). وبعد: لا ضير من التراجع ولكن كل الضرر في الإصرار وعدم المراجعة وبخاصة فيما يتعلق بالشأن الديني فكم يضل من مسلم بسبب فتوى خاطئة، وكم تهدم من أخلاق بسبب رأي ديني متسرع!. أسأل الله أن يرينا ويري مشائخنا الحق حقاً ويزرقنا ويرزقهم اتباعه وأن يريهم ويرينا الباطل ويرزقنا ويرزقهم اجتنابه. لأنه يتوهّج معك ذلك الشجن الذي يؤرقك عندما تغيب -لفترة محدودة- عن أرضك ما هو سره؟ هل هو الشجن بسبب البعد عن التراب والجدران أم هو النأي عن الأهل والخلان.. أم لأنه فراق للوطن الأكثر تطوراً وبناء؟ قد يكون هذا وذاك. ولكن الأهم من كل ذلك أن مشاعرك تفيض بالحنين إلى تراب وطنك، لأن هذا الوطن هو الذي يتوهج معك وأنت في قمة الفرح ويحتضنك عندما تتلظى على لهب الشجن..!. ذلك هو الأغلى مشاعر الناس نحوك هي نبضات قلوبهم التي تستمع إليها كأندى تغريد وتستمتع بها كأحلى نشيد..! إن سعادة الإنسان بما يناله من أمر مادي تظل مؤقتة.. بل وهامشية لكن الأبقى والأغلى من كل ذلك تلك المشارع التي تتدفق على ضفاف قلبه نبعاً مخضباً بالحب والوفاء من المحيطين به والأوفياء له. كم هي الحياة جميلة بجمال مشاعر الأوفياء فيها وبمساحة الوفاء بين خمائلها وصحاريها. آخر الجداول قال الشاعر: (تعاودني ذكراك كل عشية ويورق قلبي حين فيك أفكر)