كم مرة تعرضتَ في هذه البلاد إلى سلب مالك والاعتداء على عرضك؟ حاول أن تتذكر؟! المملكة ليست الوحيدة في الأمن ولكن تجربتها الأمنية فريدة من نوعها. كل دول العالم تطور الأمن فيها مع تطور الحياة المدنية. في المملكة انقلب الأمن فيها من درجة الصفر إلى مستوى قياسي غير مسبوق ، لكن هذه الحقيقة لم يعترف بها كثير من الدعاة والمتشددين. أقرأ هذه العبارة التي تعودنا أن نسمعها عند الحديث عن وضع المرأة الأمني في السعودية : (: الإيذاء الكثير"التحرش والمضايقات والخطف والاغتصاب" الذي سيحصل لها من ضعاف النفوس في الطرقات وعند التوقف وتعطل السيارة، ولا يخفى ما تتعرض له المرأة في وقتنا هذا من تحرش ومضايقات ومعها محرمها أو سائقها، فكيف إذا كانت تقود السيارة وحدها؟). عندما تقرأ هذه العبارة دون أن تعيش في المملكة سوف تتأكد أن المملكة تعيش عصر الحنشل وليس العصر السعودي. كل إنسان يتابع الجدل الدائر حول حقوق المرأة سمع هذه العبارة وتعود عليها. هذا النص ثابت يتكرر يوميا. كلام يردده الدعاة عندما يكون الحديث عن حق المرأة في السياقة مثلا. من شدة تكراره أضحى حقيقة ثابتة. ترسخ هذا الكلام حتى أصبح الجدل يتجاوزه. في أي مناقشة حول سياقة المرأة أو حقوقها تطرح مسألة اختلال الأمن هذه وكأننا متفقون عليها حكومة وشعبا, لا جدال حولها. أحيانا تنسب هذه الحقيقة للزمان من باب التلاعب بالألفاظ. تقرأ في كثير من أدبيات الرفض العبارة التالية: (في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وعم البلاء.) عبارة صارت جزءا من ثقافتنا اليومية. نقرأها ديباجة لكل المقالات والفتاوى والبيانات المتصلة بالمرأة. أصبحت مبررا للرفض وهضم الحقوق وتدين الأمن في البلاد دون أن ننتبه لها, تترك في النفس انطباعا أن زمننا السعودي هذا الذي نعيشه أسوأ الأزمنة. ليس غريبا أن تقرأ التالي في فتاواهم وبياناتهم الجماعية(: تهيئة الجو للفساد الأخلاقي الذي عمّ وطمّ وبدأ يتطاير شرره، فتزداد معاكسات النساء بصورة لم يسبق لها مثيل وتتيسر سبلها أكثر، وإذا كانت المعاكسات تحصل للمرأة مع وجود والدتها معها بل ومع زوجها أحياناً فما بالك إذا انفردت لوحدها، ...) هل فعلا عم الفساد وطم وتطاير شرره في المملكة العربية السعودية؟ لم تعد المملكة استثناء في الأمن والطمأنينة. حسب رأي هؤلاء صارت المملكة استثناء في غياب الأمن وعموم الفوضى. تقرأ في أكثر من موضع: (إن من رأى جرأة النساء في الركوب مع سيارات الليموزين الآن وحدهن مع علمهنّ بحوادث الاغتصاب... ). نفهم من كلام الدعاة هذا أن اغتصاب النساء ظاهرة سعودية. مجرد ركوب المرأة سيارة تاكسي في السعودية يعد جرأة وتهورا واستهتارا. يردَّد هذا الكلام بمناسبة وبدون مناسبة ومازال حتى أسس في لاشعور المواطن أن شرفه موضع تهديد داخل بلاده. تجد الأب السعودي يترك بناته في دبي وفي بيروت وفي لندن يسرن وحدهن ويركبن التكاسي آمنات مطمئنات أما في الرياضوجدة فقد عم البلاء وطم وتطاير شرره. الأمن إحساس داخلي(STATE OF MIND ). إذا كنت كل يوم أزنّ عليك أن هذا الشيء قبيح فسوف يكون قبيحا مهما كان جماله.