ثمة شيء سمي في أميركا «القوة الهادئة»، أي غير العسكرية. وقد رآه روزفلت في تأسيس «صوت أميركا». ورأته الإدارات الأخرى في «الريدرز دايجست» أو «ماكدونالد» أو «كوكا كولا» أو أفلام هوليوود أو بناطيل الجينز. ثم قامت الوسيلة الأكثر أهمية عام 1980 عندما أطلق تيد تيرنر فضائية تبث 24 ساعة في اليوم رافعا شعارا مضحكا «لن نتوقف إلا مع نهاية العالم، وسوف نغطي نهايته على الهواء». ظلت ال«سي إن إن» تخسر إلى أن وقعت حرب الكويت 1991. يومها، سمح لها بتغطية الحرب من بغداد، ومعها ال«بي بي سي» القائمة منذ 1929. وكان لها مشاهدان أساسيان، صدام حسين وجورج بوش الأب. وحاول كلاهما استخدامها لأهدافه السياسية الدبلوماسية. حتى ذلك الحين، احتكرت الفضائيات الناطقة بالإنجليزية تغطية الأحداث حول العالم. تلكأت فرنسا في أن يكون لها فضائيتها. فما هي الفائدة؟ ترددت ألمانيا. اكتفى الاتحاد الأوروبي بقناة مترجمة. فكرت روسيا في قناة واحدة. ثم هجم العرب على عالم الفضاء: ألف قناة وقناة. مائة للسب ومائة للشتم ومائة للنقاش «الموضوعي» ومائة «لحرية الرأي» ومائة للفرح ومائة للمرح ومائة للخيل ومائة لليل ومائة للبيداء ومائة للقرطاس والقلم. ما من قارة أخرى أو شعب آخر أو أمة أخرى لها واحد في المائة من عدد الفضائيات التي لدينا. من أين المال؟ لا ندري. ومن أين العدد الكافي من المشاهدين؟ لا نعرف. ولماذا نحن من دون الأمم أمة الفضائيات؟ الله أعلم. أي حساب بديهي بسيط يؤكد أننا أمة جالسة جميعها أمام التلفزيون. نصفها يبعث برسائل نصية ونصفها الآخر يقرأها. وإذا من نصف ثالث فهو الذي يخاطب البرامج «الحرة» من السويدوألمانيا والدنمارك لكي يتغنى بالحرية والديمقراطية في دول مثل قطر ويشتم الدكتاتورية في دول مثل مصر. كم يشاهد العرب من بين ألف فضائية؟ أربعة، خمسة، عشرين؟ لا أدري. لكن الذي أعرفه هو هذا: لم نشهد مرة عدوى اسمها بناء المستشفيات والمصحات ودور الأيتام. لم نعرف مرة وباء اسمه بناء المدارس للمحتاجين. لم نر مرة موجة من مطاعم الفقراء والمسنين المساكين. لم نسمع مرة بموجة بناء إصلاحيات لعشرات الآلاف من أطفال الشوارع. وكل ذلك يصب في مصلحة عبد الله القصيمي، رحمه الله: العرب