وصلني إهداء يتمثل في ملف السجل التوثيقي للجمعية التاريخية السعودية في لقائها الحادي عشر المنعقد بمدينة بريدة في منطقة القصيم تحت عنوان القصيم تاريخ وحضارة والذي تم طباعته على نفقة جامعة القصيم . بتتبع عدد البحوث والدراسات التي ضمها الملف نجدها خمسة عشر بحثا محكما قدمها جمع من الباحثين المختصين بمحال التاريخ ما لفت نظري أن من بين الخمسة عشر بحثا التي أجيزت وقدمت في اللقاء جاء منها وتصدرها أربعة أوراق أعمال عن معالي العلامة الموسوعي الشيخ محمد بن ناصر العبودي أطال الله في عمره ورزقه الصحة ونفع بعلمه وجهده . فقد خصصت الجلسة الافتتاحية للقاء لتكريم معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي حيث ألقيت في الجلسة الأولى ثلاث ورقات جاءت أولاها بعنوان وقفات مع حياة معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي أ- د / عمر بن صالح العمري والورقة الثانية بعنوان الرحالة معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي أ- د / عبد اللطيف بن محمد الحميد أما الورقة الثالثة فكانت بعنوان أعمال معالي الشيخ العبودي العلمية أ- د / ناصر بن محمد الجهيمي . كما توسط الجلسات بحث بعنوان معجم بلاد القصيم الجغرافي للشيخ محمد العبودي : قراءة في منهجه ومصادره للأستاذة عزة بنت عبد الرحيم شاهين . إن هذه الخطوة تؤكد نظرتين أولاهما الوفاء لمن يستحق الوفاء من أهل التخصص حيث اعتدنا تكريم رموزنا الفكرية بعد ما تنقطع بهم السبل . لكن هذا الجهد جاء في وقته وامتدادا لجهود كبرى عديدة سبقته حيث تم تكريم معاليه في حياته من جهات علمية وفكرية ومن رجال فكر بارزين . من تلك الجهود تكريم معاليه بمهرجان الجنادرية الدولي وتقليده وسام الملك عبدالعزيز من لدن خادم الحرمين الشريفين . تلاها تكريمه في نادي القصيم الأدبي والذي شرفه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير المنطقة . حيث أضفى على اللقاء نوعا من التميز لما يمتاز به سموه من سعة الأفق وعمق في الثقافة . أما النظرة الثانية فهي تأكيد مكانة معاليه كشخصية بارزة تجاوزت السمات المألوفة وحق لها أن تدرس وأن تكرم . نعم إن حياة ونشاط معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي حالة تغري بالبحث والتقصي بل والتوسع في تتبع سيرته . ذلك أنك قد تقف أمام جهد مفكر متمكن في علم من العلوم وتجد له جمعا من البحوث والمؤلفات والدراسات في فنه الذي تخصص به . وأبدع في ابتكاراته . فتؤكد أن ذلك جهدا مشكورا وعملا متميزا . لكن أن يتنقل نظرك ويسرح فكرك في بحار من العلوم والتخصصات لمبدع واحد فذلك يعد أمرا كبيرا وجهدا غير عادي . فمن المعجم الجغرافي لممعاليه عن منطقة القصيم كجزء من مشروع متكامل عن دراسة مناطق المملكة شارك فيها عمالقة في اللغة والأدب أمثال العلامة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله والأديب الشاعر الشيخ عبد الله بن خميس والأديب و المحقق الشيخ سعد بن جنيدل . إلى دراسات في موسوعات القبائل . ودراسات وبحوث متميزة في أدب الرحلات الخارجية لكافة بقاع الأرض . حيث لم يترك بلدا إلا وقام بزيارته بما لا يقل عن مرة فكتب عن طبيعة البلد وعن طبائع أهلها كتابة العارف المتمكن تسمع وصفه فتحس بأنه قائم بينهم يتعمق في خصائص هذا البلد وطبائع أهله بأسلوب شيق ومعلومات مترادفة واستنتاجات صائبة . إن من يقف على صفات معاليه سيجد بأنها كانت منبع الإلهام . ولن أقوم بسرد مفصل عن كافة سماته ولكني سأستشهد بصفات الحلم والتواضع وحسن الإنصات للمتحدث معه . حتى أكسبته تلك الصفات قدرة على الاستيعاب و الرصد والتصوير . إن أدب الرحلات التي تعمق معاليه بالبحث والإبداع فيه ليدل على سعة أفقه ويؤكد جملة من الخصائص التي جعلت إنتاجه مقبولا لكل من يقف عند حديثه . حتى أنك تتابع وصفه عن مشاهداته عبر برنامجه الإذاعي فتحس بأنك أمام مشهد مصور تتنقل بين الأماكن التي يصفها وكأنك حاضر معه . إن أدب الرحلات ليس بالفن الذي يسهل البحث والتقصي فيه. يؤكد ذلك أ- د/ إبراهيم بن عبدا لله السماري فيذكر في حديث له عن معالي الشيخ محمد العبودي قائلا ( كاد يتفق الباحثون المتمرسون على أن العمل المعجمي من أصعب الأعمال العلمية إن لم يكن أصعبها على الإطلاق; لأنه ذو طبيعة شمولية تقوم على الاستقصاء في دائرة أقصى الممكن كما أنه يحتاج إلى أن يكون القائم به ذا فكر متوقد وممن يملك قدرات متميزة; ليتمكن من معالجة تلك الشمولية بواسطة أدوات البحث المتاحة بين يديه بطريقة آمنة ومثمرة في ذات الوقت. وربما يفسر هذا قلة الأعمال المعجمية عند استعراض قائمة إحصاءات الإنتاج العلمي البشري بروح المقارنة قياساً إلى غيرها من الأعمال التي تقذف بها المطابع يومياً،) حقا... أن حياة معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي تغري بالبحث والتقصي فسيرته بمثابة البحر المفتوح تمعن في امتداد شواطئه فتشعر بترامي آفاقه وتغوص في أعماقه فتلامس الكنوز والدرر . عبد الرحمن بن صالح المشيقح Newarabedu.com