نجيب الزامل * أهلا بكم في مقتطفات الجمعة-342. *** * حافزُ الجمعة: عندما يفكر الإنسان فقط في مشاكله، ويستغرق في التفكير، فإنه ينتهي إلى اللاحل، بل يقوده ذاك التفكيرُ إلى تعقيدات أكبر. ولكن عندما يتطلع من حوله، ويتفقّد ماذا يستطيع أن يعمل هناك في الخارج، خارج مكانه، وخارج مشاكله، ويعمله فعلا، فسيجد أن حياتَه الجديدة قد استغرقته واندفع في تيار الحياة. الشبابُ، بل الحياة نفسها، تنقضي مثل رمشة العين، مثل برق لمع ثم ضاع في السماء.. لذا على الشباب أن يسألوا ما علينا أن نفعل من أجل من يعانون، من هم الذين بحاجة لطاقاتنا وفتوتنا الفوّارة، وقلوبنا المعطاءة، ماذا سيفعلون من أجل هذه التناقضات التي يبتلى بها مجتمعُنا، ليتقدموا بجسارةِ الأبطال لخوض معركة التحدّيات العظيمة. *** * رأيُ الجمعة: اجتمعتُ في أحد فنادق الدمام بثلاثة من الشباب الذين أذهلوني بقدراتهم الفكرية وإجادتهم لثلاث لغات على الأقل وهم يسمون أنفسهم «المفكرون الثلاثة»، استلهاما من رواية «الفرسان الثلاثة» «لإسكندر دوما» الأب، وكان الموضوع: «ما العملُ بمن صار يشككنا في ماضينا ويعتبرنا وكأننا إضافة دودية في العالم؟». ومن حسن الطالع أن هذا موضوعي من زمن، وسبق أن كتبتُ عنه كثيرا، في استقاء مصادر الإنهاض العربي الإسلامي من المراجع الغربية، ومن المراجع الغربية غير الإسلامية. وهذه الأيام يروج كتابٌ جميل، وعنوانه (بيت الحكمة House Of Wisdom) لكاتبٍ اسمه «جوناثان ليونز»، هذا الكتابُ لا يكتفي بقصة الحضارة العربية فقط، فيضيفُ بأنها المرحلة التي أبدعتْ العلمَ الحقيقي لنهضة أوربا فيما بعد، بل قال لو أن الحضارة الإسلامية لم تكن، لسقط العالمُ في هوةٍ فراغيةٍ من الجهل لا نعلم كيف سيكون مسارُ التاريخ بعدها، وقال: إن «العلومَ الإسلامية كما أسماها Sciences of Islam» هي وراء قيام العقل التجريبي العلمي الذي فتح لأوربا بوابات الشمس المعرفية، وإن الغربَ عالةٌ على العلم التجريبي العربي، وقال هناك أسماءُ علماءٍ عربٍ ما زالت كالأيقوناتِ المقدّسة في الجامعات الغربية وإن العربَ أبدعوا، وسمحوا للمبدعين من كل جنس أن يبدعوا، وهذا ما لم تفعله الحضارات الإغريقية والصينية والهندية والرومانية. الشبابُ قرروا أن يغالبوا التيئيسَ بحملة معرفية منظمة ستشمل الخليجَ ابتداء، في سعي لإثبات أن الطلائعَ العربية يستطيعون أن يقتحموا العالمَ مرة أخرى، ليس من فراغ، وإنما انطلاقاً من تجربة أثبتت يوما أن العقلَ العربيَّ إبداعيٌ، والذي صار الآن صَدِئاً، ولكن ما زال المعدنُ القويُ تحت الصدأ. إزالة الصدأ هي المهمة التي يعملون عليها! *** * تعليق الأسبوع: وكنت قد حضرتُ واجتمعتُ مع القائمين والمشاركين بمعرض لمن يطلق عليهم «المعاقون»، في مجمع الظهران التجاري، ورأيت عجَبا .. فتى كفيفُ البصر لم يصل الحادية عشرة من عمره، يطبع اسمي على بطاقةٍ بطريقة برايل، ولما تناولتها منه ضحك بعمق. وتعجبتُ لم يضحك علي الصغير؟ مد يدَهُ الصغيرة، وتناول البطاقة مني قائلاً: «إحذر حتى لا «يراك» أحد، فأنت تحاول قراءة البطاقة وهي مقلوبة!»، فعدّلها بيده ثم وضع أصابعي على حروف اسمي، وأسر في أذني تظاهر بالقراءة حتى لا يحسبك الناس أميا.. وكانت هذه الكلماتُ أبلغ وأطرف وأذكى تعليق سمعته طوال أسبوع مليء بالاجتماعات والندوات والمؤتمرات .. ثم قال وهو يتظاهر بأني لست بجانبه: «هه، لا أدري من أين يحضرون كُتّاب ها الأيام!» وضحك بعذوبة الملائكة، جمعتُ يديه إلى قلبي، وقلتُ: «أنا بجانبك أسمعك، فشكرا جعلتني من أسعد الناس»، ولم يتركها تفوت، فقد ركبتْ معه واستمر: «صحيح إذا قالوا من علمني حرفا..»، ثم انطلقت الضحكة الملائكية، وحرت أنا، ماذا أفعل بحجم السعادة التي انهالت علي فجأة؟ يا الله ما أبصَرَه! *** * كتاب الجمعة: كتابُ أرجو أن يقرأه الجميع، وعلى الأخص الأمهات والآباء الذين لدى أحد أولادهم أو بناتهم عارض «متلازمة داون»، وهو عنوانه، أما العنوان الفرعي أفزعني حقا:» أكثر الإعاقات الذهنية تزايداً في العالم!»، مؤلفه الدكتور «سعود بن عيسى الملق»، وكان في الجلسة التي أدرتها، وشاركتُ بها في ملتقى اليوم العالمي لِ «متلازمة داون»، الذي أقيم في قاعة مستشفى سعد في الخبر، وكتابه كما يصفه عبارة عن دليلٍ للأسرة والمِهَنيين. ولفتني حثه على دور القطاعات الأهلية فيقول:» وتلعب الجهودُ الأهلية التطوعية في عصرنا الحالي دوراً جبّاراً في خدمة الأشخاص المعوقين بشتى فئاتهم» ويا دكتور سعود نريد مزيدا من «اللاعبين» في قطاعاتنا الأهلية! *** *»ولما أردتُ تقسيم الحضارة العربية بمراحل زمنية، تعجبتُ كيف كان التطبيقُ دقيقا حينما استخدمتُ توزيعات أوقات الصلاة اليومية لدى المسلمين، شيءٌ مذهلٌ حقا، حتى في توقيت الصلاة جاء الإسلامُ علميا دقيقا ومنظما، فاستلهمتُ صلاة المغرب لتعبر عن استهلالية الحضارة العربية، ثم رمزتُ بالعشاء إلى العصور الوسطى الأوربية المسيحية حين كانت تغور في الظلمات، والفجر إلى العصور الذهبية العربية والتي استمرت إلى «الظهر» حين توسطت شمسُ العرب العالم، ثم رمزت الفصلَ الأخير بِ «العصر»، كنهايةٍ للإيمان المسيحي في الغرب.» - جوناثان ليونز، من كتاب «بيت الحكمة.» في أمان الله..