لعله أصبح من المألوف أن تركز المنتديات الإعلامية الكبرى في مختلف أنحاء العالم على قضايا الإعلام الجديد، لأنه السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح على كل المؤسسات الإعلامية، فالجميع يريد أن يحدد كيفية التعامل مع التكنولوجيا التي تتطور بسرعة سواء على الإنترنت أو الموبايل أو غيره، والتي تغير موازين القوى بشكل لا يعرف التدرج ولا الانتظار. قمة أبوظبي الإعلامية التي عقدت الأسبوع الماضي لم تكن مختلفة، حيث كان الإعلام الجديد حاضرا في معظم جلساته بشكل أو بآخر، وإذا كانت الأضواء قد تسلطت على حضور الإمبراطور الإعلامي روبرت مردوخ، فقد كان هناك إريك شميدت الإمبراطور الأكبر من حيث الثروة والتأثير المستقبلي، الذي يتربع على عرش شركة جوجل. في أروقة المؤتمر، تداول الحاضرون ورقة عمل أعدتها شركة بوز آند كمباني الاستشارية الشهيرة حول ''الفوز في مشهد الإعلام الجديد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا'' والتي تضمنت 24 صفحة من الملاحظات الاستراتيجية حول الاستثمار في مجال الإعلام الجديد وتحقيق النجاح فيه في عالمنا العربي. ورغم أنني لا أتفق مع بعض ما ورد في ورقة العمل من ملاحظات، لأنها في بعض الأحيان تستند إلى رؤى متناسبة مع وضع الغرب أكثر منها مع العالم العربي، فإن هناك عددا من النقاط المميزة في ورقة العمل تلك والتي تستحق الذكر والتنويه. يقول الباحثون إن هناك أربعة محاور لديناميكية الإعلام الجديد في العالم العربي، التي ينبغي التركيز عليها وهي: 1- ''إقليمية الإعلام'' حيث يظهر واضحا أن الإعلام الجديد هو إعلام عربي إقليمي أكثر منه محلي، مما يعطي الفرصة للنمو في مختلف دول العالم العربي، إلا أن شركات الإعلام الجديد عليها أن تعمل سريعا على دعم التمدد الإقليمي من خلال الاستثمار في المحتوى المناسب والتسويق في مختلف الدول العربية حتى يمكنها الوصول لمختلف فئات الجمهور. 2- ''الشباب'' و''النساء'' هما فئتا الجمهور الذي سيحدد مستقبل نمو الإعلام الجديد، والمديرون الذين يعرفون كيفية بناء منتجات مناسبة لهاتين الفئتين، ويتمكنون من اجتذابهم، سيمكنهم ''الفوز''. 3- التحول إلى الإعلان كمصدر دخل: الإعلان هو مصدر الدخل الأساسي لمواقع الإنترنت، ولكن الباحثين في بوز آند كمباني يتوقعون تحول شركات الاتصالات للاستفادة من الإعلان كمصدر للدخل في المحتوى على الموبايل، وهذا طبعا لو حصل فسيحدث نموا هائلا في فرص الإعلان المتاحة على وسائل الإعلام الجديد، وسيحدث تحولا مهما في السوق الإعلانية يستفيد منه الجميع. 4- أهمية الشراكات الاستراتيجية: فالتخصص في سوق ينمو بسرعة ويتعقد تدريجيا من الناحية التجارية مهم جدا، وما هو مهم أيضا عقد شراكات استراتيجية حول مختلف أجزاء السلسلة التجارية (Value Chain) حتى يمكن لشركة الإعلام الجديد أن تنافس وتتمدد بسرعة كذلك. تحدد الدراسة حجم سوق الإعلام الجديد في الشرق الأوسط من ناحية المحتوى والإعلانات (باستثناء التجارة الإلكترونية) بنحو 1.1 مليار دولار، متوقعة أن ينمو إلى 3.3 مليار دولار في عام 2014م، وهي نسبة نمو عالية جدا تحدد سبب الاهتمام الاستثماري العالي في مجال الإعلام الجديد، ولعل العامل الأهم الذي سيسهم في هذا النمو هو انتشار الاتصال السريع بالإنترنت في المنازل، والتغير في أنماط استهلاك الجمهور للمحتوى، والتغير في الاستراتيجيات الإعلانية عموما. باختصار هناك فرص رائعة للاستثمار في مجال الإعلام الجديد، وإذا كان سوق الإعلام الجديد في النهاية يبقى صغيرا في الشرق الأوسط مقارنة بالعقارات أو الأسواق المالية والصناعية، فإن الراغبين في دخول اللعبة الإعلامية قد لا يجدون أفضل من الإعلام الجديد للاستثمار فيه الآن بدلا من وسائل الإعلام الكلاسيكية التي يشهد سوقها تراجعا عاما لأسباب عديدة. بالمقابل فإن الاستثمار في الإعلام الجديد يتضمن أسئلة استراتيجية ملحة حول المجالات المناسبة للاستثمار، وكيفية اجتذاب عقل المستهلك، وتجنب التغيرات المستقبلية التي تقتل الأفكار الجذابة حاليا والمملة مستقبلا، وكيفية اجتذاب المعلن، وأخيرا كيفية تحويل النجاح إلى دخل في أقصر وقت ممكن. كلها أسئلة صعبة، ومن يجد الإجابة عنها ف ''سيفوز'' بحصته من الكعكة الجديدة!! مدير الإعلام الجديد، مجموعة MBC