الأدب فن راق من الفنون الإنسانية البديعة، وهو يحوي الكثير من أصناف القول المبدع، وقديما عرف بعضهم الأدب بأنه «أن تأخذ من كل علم بطرف»، وهذا التعريف على قدمه إلا أنه يصلح أن يكون إشارة للمشتغلين المعاصرين بالأدب. نعم، لقد تفرعت الفنون الأدبية وتحولت بحكم التطور العلمي الذي تشهده البشرية إلى أصناف متنوعة ومدارس كثيرة لكل منها منهجه وأسلوبه في التعبير عن الأفكار التي يريد، وهذا أمر طبيعي ومحبب. لدينا في السعودية العديد من الأديبات والأدباء الذين أثبتوا حضورا لافتا على المستوى المحلي والعربي، والأسماء كثيرة ونماذج إبداعاتهم أكثر، وقبل يومين أتتنا الأنباء السارة بفوز الأديب والروائي السعودي الزميل عبده خال بجائزة البوكر العالمية في نسختها العربية التي بدأت قبل ما يقارب الثلاث سنوات. لا شك أن عبده خال يستحق هذا التكريم، فالقارئ لرواياته يكتشف بسهولة حجم البون الشاسع بينه وبين بعض منافسيه، فهو متقن لفنه متفرد في أسلوبه، وقد اختار أن يفترع طريقته الخاصة في كتابة الرواية وأثبت هذه المقدرة عبر سلسلة من الروايات الناجحة. لم أقرأ بعد روايته الفائزة بالجائزة «ترمي بشرر» ولكنني أعتبر نفسي على موعد قريب معها، نظرا لتجربتي السابقة في قرءاة روايات عبده خال، التي بدأتها بروايته الجميلة حد الألم «مدن تأكل العشب»، فقد عشت معها ليالي كانت من أمتع الليالي. يستحق عبده خال التهنئة منا جميعا كأول سعودي وخليجي يحصل على هذه الجائزة، غير أنني لا أريد الاستغراق في حديث الثناء وهو له أهل بل أرغب في تسليط الضوء على بعض الحوادث الدالة على نوع من «عداء الأدب» في مجتمعنا. الحادثة الأولى، وهي الأحدث، هي حادثة إحراق النادي الأدبي في الجوف، وهو مؤسسة حكومية مرجعيتها وزارة الثقافة والإعلام، وتعمل ضمن الخطة الأدبية العامة للوزارة، وللتذكير فهذه هي ثاني حادثة إحراق لنفس النادي. الحادثة الثانية هي حادثة الشكوى التي رفعها رئيس النادي الأدبي بالباحة ضد الزميل علي الرباعي للشرطة، وهي حادثة تزيد من تشويه سمعة الأندية الأدبية في المملكة، وتؤكد ما يقال عن تخلف بعض إداراتها عن مواكبة النهضة في البلاد، وإلا كيف نستطيع التصديق أن رئيس ناد أدبيٍ يترك مرجعيته الإدارية المتمثلة في وزارة الثقافة والإعلام ويتجه للشرطة! لا في حادثة جنائية بل في رأي فكري أدبي تم طرحه في داخل النادي الأدبي! لشتان ما بين رئيسي الناديين، فواحد يتعرض للتهديد بالقتل لأنه يقوم بواجبه الموكل إليه، وآخر يتبرع بتكميم الأفواه الأدبية في ناد أدبيٍ. لدينا أعداء للأدب حتى ممن يتسمون باسمه أو يسعون للالتصاق به، بعضهم يهدد بالقتل وبعضهم يسعى لإلجام الآراء في زمن الحوار، وأخيرا فأنديتنا الأدبية بحاجة إلى إعادة نظر كاملة من قبل الوزارة لمهامها وبرامجها والأدوار المنوطة بها، علها تعيد خلق جو إبداعي يكون بيئة خصبة لإنتاج المبدعين. علها!