مَن يتابع الحركة الفنية الفلسطينية سيلاحظ بأن هذا الشعب يقاوم بالفن، كما يقاوم بالحجارة والرصاص. إنه الشعب الذي أثبت أن فعل المقاومة يمكن أن يرتقي ليصبح فعل إبداع. عبر موقع اليوتيوب الشهير شاهدت فيلمًا كارتونيًّا فلسطينيًّا بعنوان (الحاجز). الفيلم مدته دقيقتان فقط، لكنّ الرسالة التي أوصلها، والرؤية التي قدّمها كانتا تحتاجان إلى مساحة زمنية توازي المساحة الزمنية التي يشغلها فيلم روائي طويل. وهذا الأسلوب هو ما يعرف بأسلوب التكثيف في الدراما. سيناريو الفيلم يحكي عن طفل فلسطيني يدحرج إطار سيارة أمامه، ممارسًا حقّه الطبيعي في اللهو حسب الأدوات المتاحة له. لكن الطفل سرعان ما يصطدم بالحاجز الإسرائيلي الذي يقف أمامه جندي ضخم يرمي بالإطار، ويشير إلى الطفل بألاّ يعود إلى اللعب ثانية. ثم يتكرر هذا الفعل ثلاث مرات يستخدم خلالها الجندي الإسرائيلي كل الأساليب لتمزيق الإطار. ثم تأتي الصدمة في النهاية عندما يكتشف الجندي الإسرائيلي أن عربته المصفّحة هي مصدر الإطارات الأربع التي كان يلعب بها الطفل الفلسطيني. وهنا يرتمي الإسرائيلي أرضًا بلا حول ولا قوة من هول الصدمة، في حين تلمع عينا الطفل الفلسطيني ببريق تمتزج فيه البراءة بحب الحياة. الفيلم كان بعيدًا تمامًا عن لغة الخطابة وأسلوب المباشرة؛ لدرجة أنه كان خاليًا من أي حوار. أمّا الرسالة التي أوصلها فتتلخص في أن آلة الموت الإسرائيلية تعرضت للدمار منذ أن حوّلها أطفال فلسطين إلى أداة من أدوات لهوهم. المقاومة الفلسطينية هي مقاومة حضارية في المقام الأول.