مَثُلَ عدد من المخرجين العالميين ونجوم السينما من الشرق والغرب، أمام المحكمة العثمانية في رام الله، من خلال أفلامهم التي شاركت في مهرجان «قاوم» السينمائي ونظمته الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية. وبين هؤلاء الإيرانية سميرة مخملباف، والطاجيكي باختيار خودوجنازاروف، والهولندي دروثي فان دير بيرغيه، والكندي سونك لي، ومواطناه ديفيد سوذرلاند، وديفيد ويفير، وآرون وودلي، والأميركي توني غولدوين، على مدار ستة أيام كان فيها مدرج المحكمة في البلدة القديمة بمدينة رام الله مكان المثول، في المهرجان الذي اختتم فعالياته مساء الخميس. إلا أن المخرجة البرازيلية الكورية أيارا لي، لم تتمكن من مشاركة زملائها أمام الجمهور الفلسطيني في المحكمة العثمانية، بعد أن منعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من دخول الأراضي الفلسطينية، بذريعة أنها على «القائمة السوداء»، بعد مشاركتها كمتضامنة على متن أسطول الحرية، إلا أن فيلمها «ثقافات المقاومة»، وكان فيلم الافتتاح، جعلها تحضر وبقوة في المهرجان، الذي وجهت لجمهوره رسالة مؤثرة تحدثت فيها عن عنصرية الاحتلال وبطشه، وتأييدها الشديد للقضية الفلسطينية وعدالتها، لدرجة أنها قالت في رسالتها الخاصة إلى الفلسطينيين «كلما سئلت من أين أنت، أجيب بأنني ولدت في البرازيل لأبوين كوريين، لكن قلبي فلسطيني»، في حين ختمت حديثها بنبرة تفاؤل قائلة «لكن، وقريباً، وحتماً، الاحتلال سيزول، وحينها سأكون معكم للاحتفال بزواله... السلطة والقوة ستكون للشعب الفلسطيني بلا شك». ولمهرجان «قاوم» السينمائي فلسفة خاصة، وفق ما أكد المخرج يوسف الديك رئيس الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية، مشيراً إلى أنه قدم أنماطاً جديدة للمقاومة، باعتبارها فعلاً شمولياً، ولا يقتصر على الفعل السياسي فقط، وأن المقاومة لا تكون بالضرورة ضد شيء، بل يمكن أن تكون نهج حياة. وأضاف الديك أن «عرض أفلام تتحدث عن المقاومة بأسلوب مختلف، يأتي لخلق حالة من التفكير ببدائل، وإبداع وسائل جديدة في المقاومة، وبالتالي الوصول بالمقاومة لتكون فلسفة حياة... المقاومة عنوان المهرجان، لا يقصد بها المقاومة السياسية على أهميتها، وانما المقاومة الانسانية بمفهومها الشمولي، لأن الانسان يعيش وهو يقاوم من اجل التغيير»، مشدداً على أن «المقاومة هي ثقافة إبداع، لأن الإنسان عندما يقاوم يطلب التغيير، واذا طلب التغيير يبحث عن الآليات ووسائل جديدة للتطوير، وهذا يقود الى الإبداع»... وأكد: «لا نريد الابتعاد عن فكرة المقاومة السياسية، لكن الهدف هو تقديم المقاومة بمفهوم مختلف أشمل بعيداً من التقليدية». وعرض في المهرجان أفلام: «حصان بقدمين» لسميرة مخملباف، و «لونا بابا» لخودوجنازاروف، و «ملكتي كارو» لدروثي فان دير بيرغيه، و «حكايات تورنتو» للمخرجين الكنديين الأربعة سونك لي، وديفيد سوذرلاند، وديفيد ويفير، وآرون وودلي، ليختتم فعالياته بفيلم «إدانة» للمخرج الأميركي توني غولدين. هذا إضافة إلى فيلم «ثقافات المقاومة» لأيارا لي، الذي يسلط الضوء على معاناة شعوب عدة، والأفكار الخلاقة التي يقوم عليها فنانون لمقاومة كل هذه المعاناة بسبب الحروب بالدرجة الأولى. وللمناسبة، نذكر ان الجمهور الفلسطيني اندهش بفيلم «حصان بقدمين» لسميرة مخملباف، ويتحدث عن الاضطهاد بأصعب أشكاله من خلال حكاية الطفل «ميرفاس»، الذي يسعد باختياره للعمل ك «حصان» مهمتُه نقل طفل مرفه فَقَدَ أطرافه في الحرب الأفغانية إلى المدرسة وغيرها من الأماكن. وأثارت الفنتازيا الغرائبية في فيلم «لونا بابا» الطاجيكي إعجاب الجمهور، الذي وصف الفيلم بالمضحك المبكي، وهو يتابع بشغف حكاية الشابة «مملكات» التي تحمل من شخص تجهله، وتخوض وأسرتها رحلة البحث عنه، لينتهي بها الأمر إلى الطيران على ظهر سقف منزلها هرباً «من الشهر المحيط بها». أما إصرار الشقيقة على إثبات براءة شقيقها في فيلم «إدانة» الأميركي، ونجاحها في ذلك، مقاومة كل الظروف الصعبة، بعد 16 عاماً من النضال، فقد أثار إعجاب جمهور مهرجان «قاوم» السينمائي، خاصة أن الفيلم مبني على قصة حقيقية، وسط إشادة كبيرة بدور النجمة هيلاري سوانك في الفيلم. وحظي المهرجان باهتمام إعلامي كبير، كونه يأتي في وقت يناضل فيه الفلسطينيون من أجل انتزاع اعتراف بدولتهم المستقلة في الأممالمتحدة، وفي خضم الثورات العربية المتواصلة، ف «قاوم» كعنوان ورؤية، ميّز المهرجان عن غيره من المهرجانات السينمائية في فلسطين، رغم ما وجّه البعض من انتقادات مردها غياب السينما الفلسطينية عن المهرجان، وهو ما برره المخرج يوسف الديك، بهدف المهرجان الذي تتمحور فكرته حول نقل أفكار خلاقة للمقاومة عبر أفلام من ثقافات عالمية مختلفة، مؤكداً ان الفيلم الفلسطيني بشكل عام حقق حضوراً عالمياً لافتاً، ونقل أنماط المقاومة الفلسطينية إلى العالم، وهي تلك الأنماط التي يعرفها الفلسطينيون جيداً... نحن بحاجة للتعرف على أنماط أخرى من المقاومة، وهذا ما سعينا إليه في مهرجان «قاوم» السينمائي.