في البدء، أتوجه بالشكر للفرد وللمؤسسة. للفرد في شخص الزميل الدكتور محمد القنيبط الذي ظل على الدوام صوتاً جهرياً مختلفاً وصادعاً بالجرأة حتى وهو يلامس الأسقف العليا التي لا تجرؤ جل الأصابع الطويلة إليها من وصول، وظل كما هو يمثل سلطة قلم ولسان صريحين حتى ونحن نتفق معه أو نختلف. للمؤسسة في شخص جامعة الملك سعود، التي وفرت لي، قبل هذا المقال، ما أردت الوصول إليه من معلومات، لا ما أرادت هي، كي أحاول الوصول إلى الحقائق، أو بلغة أدق، إلى الاتهامات التي تحدث عنها الدكتور محمد القنيبط في حواره مع الزميل العزيز الآخر، الدكتور سليمان الهتلان قبل أسبوعين في حديث الخليج على قناة – الحرة – الفضائية. اخترت الفكرة اليوم، كأستاذ جامعي، لا ككاتب، لأن حديث سعادة الدكتور القنيبط لامس هواجسي حول واقع التعليم العالي الذي أشعلت فيه جامعة الملك سعود في ثورتها الأخيرة شمعة أمل بأن تقود هذه الجامعة مسيرة التغيير وأن تكون صادقة في البيئة وفي مثال الأنموذج الذي ينشده الأستاذ الجامعي. تحركت لأنني أحسست، وليعذرني سعادة الزميل على إحساس شخصي، بأنه كان ينطلق في ساعة حواره من قواعد – الحساب المشخصن – وهي حروب نعيشها ولا نجهلها في حياتنا الأكاديمية كأساتذة جامعة خصوصاً أن القنيبط يحمل ذات مرجعية الدكتور عبدالله العثمان كأستاذين من كلية واحدة. ازدادت هذه الهواجس حين قرأت كامل الحوار بعد المشاهدة لأنني لمحت أن جامعة الملك سعود، وحدها، كانت صلب الأطروحة حتى وهو يعود إليها بالترميز والمثال عندما كان يسأل عن قضايا لا علاقة للجامعة بها مثل الهيئة العامة للاستثمار. أحسست، وليعذرني أخي الدكتور محمد القنيبط على إحساس شخصي، أن القصة تكمن في فصل البيان ما بينه وبين العثمان، ولهذا حاولت اليوم امتحان معلوماته بالبراهين التي قالها باللسان دون أن يتحفنا بالأدلة، ولربما كان معذوراً لطبيعة الحوار. وحين أجد نفسي متفقاً منسجماً مع رأي الدكتور القنيبط في أن تلزيم أي من المشاريع الحكومية الكبرى إلى ثلاث أو أربع شركات بعينها، قد يكون مدخلاً ملائماً للفساد خصوصاً وهو يشير صراحة إلى أن جامعة الملك سعود قد سلمت مشاريعها بالتلزيم المباشر على هذا النحو إلى شركات حددها بالاسم في العمودي والسيف وسعودي أوجيه. الوثائق التي بحوزتي تبرهن أن شركتين من أصل هذه الثلاث لا تلتزم أبداً بأي من العقود الإنشائية مع جامعة الملك سعود ولا تعمل في أي من مشاريعها على حين تعمل الشركة الثالثة مع الجامعة بعقد وقعته وزارة التعليم العالي لأن النظام المالي الإداري لا يجيز لمدير أي جامعة توقيع أي عقد لجامعته يزيد عن خمسة عشر مليون ريال، وتلك حدود صلاحياته. الأوراق التي بين يدي تشير إلى أن 98 شركة وطنية أو أجنبية تعمل اليوم في مشاريع جامعة الملك سعود المختلفة من الإنشاء إلى التوريد والتركيب وهو رقم ينفي قصة الاحتكار التي نراها مثل ما يراها الدكتور محمد القنيبط مدخلاً إلى الفساد بعينه. في المعلومة الأخرى، وهي الأخطر، يشير الدكتور محمد القنيبط إلى أن إدارة الجامعة "قد كذبت" على مقام سمو ولي العهد بقولها إن المشرف على كرسي سموه لأبحاث المياه حامل جائزة نوبل من أصل تركي، ونحن نعلم أن نوبل لا تعطى جائزتها لأبحاث في هذا المجال. وبالبحث الإلكتروني على موقع الجامعة وعلى أي من محركات البحث، وبالأوراق التي طلبتها من إدارة هذا البرنامج فكل ما حصلت عليه أن الجامعة أشارت إلى أن الباحث التركي كان يعمل في مؤسسة – آل جور – نائب الرئيس الأمريكي الأسبق المهتمة بقضايا المناخ والبيئة كباحث رئيس في مجال المياه ثم فازت المؤسسة بجائزة نوبل ومن هنا كان اللبس في فهم الدكتور محمد القنيبط، أو ربما إحساسي أنه حاول استثارة هذا اللبس. في المعلومة الخطيرة الأخرى، يشير الدكتور محمد القنيبط إلى أن جامعة الملك سعود، صراحة، تمنح أساتذتها الزائرين من حملة نوبل (مليون دولار) على الزيارة أو المحاضرة وهنا نحتاج من سعادته إلى دليل ليعرف كيف سنكون معه، لأن الأوراق بيدي تشير إلى أن كل عقود مشروع الزائر الدولي لحملة نوبل تتراوح بين 20 – 30 ألفاً، والفارق بين الرقمين واسع مذهل مريب ولهذا نريد البرهان كي نعرف إلى أين تذهب الشكوك: إلى الجامعة التي دفعت المليون أم إلى القائل بهذا المليون. بقي أن نشير إلى التصنيف الجامعي الذي اعتبره الدكتور القنيبط حملة تضليل كاذبة ولا أعلم إن كان يقصد أن مؤسسات التصنيف الدولية المعتمدة هي المضللة الكاذبة أم إن الجامعة هي التي ضللت وكذبت. المؤكد، تماماً، أننا اكتشفنا أننا خارج التصنيف بقصة مجلجلة بدأت من مجلس الشورى ومن لجنة كان سعادته عضواً بها لفترة طويلة وعندما كان الجميع خارج التصنيف كان الأمر فضيحة وعنوان إثارة مجتمعية، فلماذا عندما دخلنا هذا التصنيف بثلاث جامعات كان الأمر خداعاً وتضليلاً وكذباً؟ أفهم أن نتهكم حين نكتشف السلب ولكن من يبرر لي التهكم من خطوة موجبة. يؤسفني أن أخي الدكتور محمد القنيبط قد اعتزل الكتابة فيما نحن بأمس الحاجة إلى صوته الغيور، وعلى الأقل كي يدحض براهيني الورقية، بأوراقه الثبوتية بدلاً من أن نطلق معاً ألسنتنا فيما الجمهور يريد الاحتكام إلى الأوراق والإثباتات والتواقيع والأختام ببرهان الدليل. أشكره مرة أخيرة لعشرات المواقف التي بقي فيها مستقلاً صريحاً، اختلفنا معه أم اتفقنا.