في واقعنا اليوم محاولات جادة وجديرة بالاهتمام لكيانات تسعى لتحقيق أهداف عامة تحلق في فضاء التغيير والإصلاح وقفل أبواب التخلف. حالة التوازن قبل مرحلة الإقلاع الحضاري تحدثه مثل هذه المشروعات، في حال تكاملت ودفع نجاح بعضها إلى نجاح الآخر. لكن تكاثر اللافتات وضعف الإنتاجية يطرح التساؤل دائما عن الجدوى من تشتيت الجهود، وإلى أي اتجاه يمكن أن تقودنا هذا اللافتات. البعض يرى في الزيادة الكمية لهذه المؤسسات تعددا للأهداف وتنوعا وتكاملا مطلوبا، إن كان هذا القصد قد تقرر سلفا وروح التنسيق متدفقة في كل اتجاه في عطاءات المؤسسات الحضارية للأمة. ولكن هل يمثل هذا الواقع فعلا وهل حقا تقوم عشرات القنوات الفضائية الضعيفة لتحدث تكاملا أم لتنافس بعضها البعض في مستوى متدن فنيا وماليا، ثم يسقط البعض ويفقد الآخر جمهوره. وهي حالة تطرح في مؤسساتنا الشرعية عندما يقفز مشروع علمي ويصبح رائدا في مجاله، ثم نفاجأ بمشروع آخر من فئة أخرى تدفع به للواجهة. في رأيي أن الاختلاف الفكري الحاضر في المشهد المؤسسي دليل صحة وقوة، ولا مانع منه، لكن أين الصحة النفسية التي تتمتع بها مشروعاتنا حتى يقبل أهل الاختلاف الفكري المحدود إلى توحيد الجهد المؤسسي العلمي في اتجاه واحد بدل التشتيت، وأين هي روح الإسلام العظيم في قبول المختلف حين تبرز منظمة أو جهة اعتبارية لتفسح المجال لدخول قوافل المختلفين معها في إطار قانوني ينظم العلاقة بين المختلفين. إشكالية أخرى حين يبحث كل قدوة عن مشروعه الخاص الذي يصبح هو سيده بغض النظر عن قدرة هذا المشروع على التأثير الإيجابي في المجتمع، ويكفي أن يبقى الرمز يدير مشروعا بلافتة رنانة ضخمة تبحث خلفها فلا تجد أكثر من سكرتير يرتب بعض المحاضرات، وواقعا تغييريا ضعيفا، فيتضخم الفرد ويسقط المشروع!. حالنا مع واقع محاولاتنا المؤسسية للإصلاح والتنمية حال عجيب يدفع العقلاء الذين يقودون مشروعا للتطوير أن يتوقفوا للتأمل وأن يخرجوا من دائرة التفكير في حظوظ الفكرة التي يصرون عليها ليقدموا حظوظ الأمة، فإذا لم يستقم حال الدعاة ومؤسسات الدعوة في مشروعاتهم المختلفة على مؤسسة حاوية قوية ناضجة فكيف نطالب المجتمع بقبول الاختلاف والعمل في منطقة المشتركات؟. من حق كل صاحب فكر أن تكون له لافتة تمثله، لكن أليس من حق قضايا الأمة الكبرى أن تجد لها لملمة جهود وتوحيد صفوف وعمل في منطقة المشتركات؟ مشاريعنا كثيرة والتصفية واجبة، فالفاعل قليل والمفعول منها كثير وكثير جدا.