عبد الرحمن الوابلي - * نقلا عن "الوطن" السعودية من أكثر ما يزعج ويقلق الساسة وعقلاء البلاد من النخب الفكرية والاجتماعية في السعودية، الخطاب الطائفي النتن البغيض الذي يعلو سعيره حينا ويختفي تحت الرماد أحيانا. فكل دولة تنشد الأمن والاستقرار لشعبها، تدرك جيدا مدى خطورة اللعب باللهبة الطائفية؛ فتحاول جاهدة كبح الخطاب الطائفي، إن لم نقل القضاء عليه؛ هذا في حال وجود أرضية تدعمه؛ حتى لا يصطاد في مائه العكر كل مخرب أشر سواء من داخلها أو خارجها. فما بالنا في دولة يحاول البعض تأجيج الخطاب الطائفي داخلها؛ وهو خطاب أقحم عليها إقحاما، برغم كونه غير مدعوم لا من قبل معطيات الواقع ولا التاريخ الوطني، أو في معنى آخر تكذبه وتدحضه معطيات الواقع والتاريخ الوطني السعودي. كل خطاب هو، في درجة أو أخرى، معبر عن معطيات معاشة وملموسة ويستمد قوته وشرعيته منها. ولكن من الملفت للنظر، أن الخطاب الطائفي في السعودية لا أرضية تؤكده ولا تاريخ يسنده. إذا فكيف تجذر مثل هذا الخطاب لدينا وبكل هذا الجزم والحماس منقطعي النظير، وكأننا قد خضنا عشرات الحروب الطائفية الدموية؟!! ولماذا يردده بحماس لدينا أناس ينتمون لجميع فئات المجتمع، من متعلمين وشرعيين، ومن العامة حدث ولا حرج؟! وأنا هنا لا أتهم فئة دون أخرى في ترديد وتأجيج الخطاب الطائفي البذيء والمؤذي، حيث حتى بعض كتاب الصحافة الرسمية لدينا يكتبون من وقت لآخر مقالات يشتم منها رائحة الطائفية النتنة. إذن من يحمل الفكر الطائفي النتن لدينا، هم أفراد من جميع فئات مجتمعنا بلا استثناء، برغم كون حاملو الفكر الديني المتشدد هم من يغذيه ويسهر على تأجيجه، وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها، لنتمكن من القضاء عليه وتجنيب بلادنا شروره. كما أني أعيد وأكرر بأن الخطاب الطائفي هو خطاب كاذب ومدسوس على تاريخنا وحاضرنا. أي أنه خطاب تزييف وتدليس أريد التأكيد عليه وله التقديس؛ برغم تكذيب معطيات الواقع والتاريخ الوطني له ولمفرداته وتنبؤاته الغبية. تأسست دولتنا الوطنية السعودية، عام 1745م؛ بعد اتفاق الدرعية بين الأمير المؤسس محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله . ومرت دولتنا الوطنية بثلاث حقبات تاريخية، والتي نتمتع الآن بأمنها وخيراتها. وخلال القرنين والنصف، حدثت مئات المعارك والحروب، لم تكن منها حرب طائفية واحدة. مناطق قاتلت وحاربت مناطق، قبائل حاربت وقاتلت مناطق، ومناطق حاربت قبائل، و قبائل قاتلت وحاربت قبائل، مناطق انشقت على بعضها، كما قبائل انشقت كذلك على بعضها، ولم يسفك في أي منها قطرة دم واحدة تحت اسم الطائفية. كما شقت عصى طاعة الدولة السعودية أكثر من منطقة لأكثر من مرة، وشقت عصى الطاعة أكثر من قبيلة لأكثر من مرة، ولم تشق عصى الطاعة للدولة منطقة شيعية واحدة، ولا لمرة واحدة. دولتنا السعودية الأولى، والتي اتهمت بالتعصب المذهبي، هدمت قبور وقطعت أشجار في مناطق سنية؛ ولكننا لم نقرأ بأنها تعرضت لأي قبر أو شجرة في المناطق التي يقطنها مواطنونا الشيعة. بل العكس حدث؛ حيث تمت حمايتهم، خاصة مواطنينا من شيعة الأحساءوالقطيف وما حولهما، من اعتداءات بعض الأعراب المنفلتين على مزارعهم وقراهم، وتمت معاقبة من يفعل ذلك أشد وأنكل عقاب. وكان جزء كبير من دخل الدولة آنذاك، يأتي من تلك المناطق، حسب ما أشار إليه مؤرخ الدولة السعودية الأولى ابن غنام. ولذلك فليس بالمستغرب بأن تتجذر لديهم الوطنية والولاء للدولة الوطنية منذ قيامها. وقد أثمر هذا التجذر الوطني عند إعادة توحيد ولم شتات مناطق الدولة السعودية على يد المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه . وذلك عندما دخل الأحساء وطرد حاميتها التركية منها، قام المندوب السامي البريطاني في الخليج، بإرسال رسالة لأهالي القطيف يطالبهم بطلب الحماية من بريطانيا، وجعلها محمية بريطانية أسوة بباقي محميات الخليج، وبنفس الوقت وصلتهم رسالة من الملك عبدالعزيز تطلب منهم الانضمام لمملكته التي بدأت تستعيد بناء نفسها من جديد. فاجتمع أعيان القطيف وعلماؤها وتدارسوا الرسالتين، وخرجوا بفتوى وطنية مشرفة لا تضاهيها فتوى في تاريخ توحيد المملكة؛ وهي فتوى "بأن الدولة البريطانية كافرة وعبدالعزيز مسلم؛ ولا ولاية لكافر على مسلم،" وعلى إثر هذه الفتوى تمت دعوة الملك عبدالعزيز، الذي دخل مدينة القطيف في احتفالية وطنية لا مثيل لها. وهذا ثمار تلاحم تاريخي ودي وصادق بين دولة ومواطنيها الأبرار. ومواطنونا من الشيعة مثلهم مثل باقي مواطنينا من السنة، عملوا بجد وإخلاص للرقي بمملكة الجميع والدفاع عنها. وسعوا بكل جد وإخلاص لدعم وتطوير ورقي مملكتنا في شتى المجالات، منها الصناعة النفطية والتعليمية والصحية وحتى الأمنية والدفاعية. وسارت مملكة الجميع نحو التطور والرقي بأمن وسلام، فلم نسمع بأن شيعيا قتل سنيا واحدا أو العكس من منطلق مذهبي. مع مرورنا بتجارب مريرة من قتل وتفجير وتخريب باسم التطرف والغلو الديني. والمذهب الشيعي هو مذهب عربي، لم يعتنقه الإيرانيون إلا قبل خمسة قرون. بينما هو موجود ومترعرع بالأراضي العربية منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة. وجميع أئمة المذهب هم، عرب لا يتجرأ أحد على الطعن لا بدينهم ولا بعروبتهم، منذ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حتى المهدي بن الحسن العسكري رضي الله عنه، (الإمام الغائب حسب معتقد الشيعة الإثني عشرية). ومعظم مزاراتهم موجودة بأراض عربية. إذا فالشيعي الفارسي هو المتهم من قبل الفرس بعروبته، وليس العكس. وجميع سكان المملكة من الشيعة هم من أصول عربية من الجزيرة العربية سواء مناطقية أو قبائلية، وهذا بتوثيق من مؤرخينا الوطنيين من حمد الجاسر وابن خميس وابن مبارك وغيرهم من الموثوق بعلمهم في تأريخ وتأصيل الحركة الديموغرافية داخل المملكة. إذا فالشيعي السعودي، قد أثبت وطنيته تاريخيا وحاضرا، وليس مطالبا بأن يثبت أكثر من ذلك؛ ولكن الطائفي الحاقد والمشكك بوطنية مواطنه الشيعي، هو المطالب بإثبات وطنيته، وذلك بعدم هز وزعزعة اللحمة الوطنية والتلاعب بها وجعلها أرضا خصبة لتخريبات داخلية أو لتدخلات خارجية.