لقد أقام النظام النازي في عهد هتلر مذابح مريعة في حق اليهود في ألمانيا ومناطق النفوذ الألماني، وكانت أفران الغاز والمذابح الجماعية والاغتيالات وغيرها من الوسائل الوحشية في تتبع اليهود والقضاء عليهم، وعرفت تلك المذبحة باسم الهولوكوست. ذلك معطى تاريخي يمكن التعويل عليه في سياق حديثنا هنا، وهي حادثة وإن لفتها بعض المبالغات فيما بعد فهي مبالغات قابلة للتحقيق والتمحيص، غير أن الأصل واضح وثابت، ولا يجادل فيه إلا الأقل من المثقفين والمؤرخين حول العالم. إنه وبرغم احتجاجات الكثيرين حول المبالغات والتضخيمات التي تمت لما جرى لليهود في عهد النازية إلا أن يهود العالم بشتى تصنيفاتهم بين مثقفين ومبدعين وفنانين وشعراء وروائيين وسينمائيين قد اجتمعوا على حشد العالم ضد ما فعلته النازية، وقد كسبوا من وراء هذا تعاطف العالم معهم على نطاق واسع، هذا مع استثناء الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المغتصبة فتلك قصة أخرى. إن الإرهاب هو صنو النازية ومثيلها، بالنسبة لنا فإننا لم نتأذ من النازية بقدر ما تأذينا من الإرهاب، أفلا يحق لنا أن نعامل ضحايا الإرهاب والقاعدة كما فعل اليهود مع الهولوكوست والنازية! أفلا يحق لنا أن نوظف كل طاقاتنا وإبداعاتنا لإظهار مدى بشاعة الإرهاب وتطرفه ودمويته! أولسنا في محاربته الحية والمعيشة بأحق من اليهود في محاربة النازية البائدة! إن الجواب بكل وضوح هو بلى وبالتأكيد، فضحايا هولوكوست الإرهاب اليوم دماؤهم حية ونازفة وقابلة للاستمرار أما ضحايا هولوكوست النازية فقد شبعوا موتا وانتهت محنتهم، مع إضافة مهمة هي أن النازية قد باتت خبرا من الماضي وتاريخا مطويا في كتب الزمان بعكس الإرهاب الذي لم يزل معيشا وقويا ومؤثرا في واقع الأحداث اليومية التي نعيشها والأخبار التي نتلقفها من وسائل الأنباء صباح مساء. ثمة سؤال يطل بقرنه حتى لا أقول يطرح نفسه، وهو هل فعلنا في مواجهة الإرهاب الذي يؤذينا بين العشية وضحاها بعض ما فعل اليهود في جرح مضى ومأساة قضت! حتى نجيب على السؤال براحة يجب أن نفصل بين ما جرى لليهود المظلومين تحت الحكم النازي الغاشم، وبين اليهود الذين احتلوا فلسطين، ثم بعد هذا فإن الإجابة على السؤال هي بكل صراحة ودون مواربة لا لم نفعل ولا بعض ما فعلوا. لا، لم ننتج أفلاما ذات مستوى عالمي لفضح الإرهاب وتعريته، لا لم ننتج وثائقيات تدين الإرهاب وتبشعه بما هو له أهل أمام المتلقي العربي والعالمي، لا لم نزل نقدم رجلا ونؤخر أخرى في مواجهة الإرهاب المعنوي والفكري والمجتمعي. لم تزل خيارات بعضنا مع الإرهاب غير محسومة وغير منتهية، ولم يزل البعض منا يحاول التفريق بين التطرف والإرهاب، أي بين عقيدة الإرهاب وتنظيمات الإرهاب، أو بين أفكار الإرهاب وتنفيذ الإرهاب، وذلك للأسف ما نرجو ألا يصيبنا في مقتل أو يأخذنا على حين غرة.