أعلنت وزارة الإعلام السعودية عن تدشين أربع قنوات فضائية سيبدأ بثها في 1 محرم من السنة الهجرية الجديدة، إحدى هذه القنوات الأربع هي قناة ثقافية يفترض أن تعنى بالشأن الثقافي بمجمله والفنون بتقاسيمها والفكر وهمومه، ولمعرفتي بالحماس منقطع النظير لدى معالي وزير الإعلام ومعرفتي ببعض القائمين على هذه القناة أستطيع أن أقول إن هناك أملاً كبيراً في أن نرى شيئاً جميلاً نشعر معه بالانتماء و بأنها سوف تكون شيئاً مختلفاً، لكن لابد من التنبيه على جزئية مهمة نفتقدها في إعلامنا بشكل عام، كفجوة لا تخطئها العين، ألا وهي غياب الاستراتيجيات والتخطيط المدروس وكون المؤسسات الإعلامية في الغالب تعمل بدون رؤيا حقيقية لما تريد أن تفعله والهدف الذي تريد أن تصل إليه، فيكون خط المنشأة الإعلامية متذبذباً إن لم أقل متقلباً من ذات اليمين إلى الشمال، هذه آفة نراها ولا نرى شيئاً يتحقق حيالها مع كارثية هذا الخطأ. القناة الجديدة "الثقافية" ستكون معنية بالدرجة الأولى بالثقافة السعودية وإعادة الاعتبار للمثقفين السعوديين الذي طوتهم سنين النسيان وستعيد لنا صور وأصوات الفنانين الذين غابوا وستبحث عنهم لتجعل الناس يرونهم من جديد، وهذه لفتة وفاء جميلة تدل على حسن النوايا التي نأمل أن تبقى في مسارها فهذا من الهواجس التي تخطر في بال كل مثقف وكل فنان: أين غاب العظماء عن المشهد الإعلامي ولماذا تحصرنا الشاشات في دائرة ضيقة من وجوه مللنا ما عندها؟! القناة الجديدة الثقافية ستكون معنية بالفنون الأصيلة، كالموسيقى الكلاسيكية والسينما العالمية والفن التشكيلي وتعريف المشاهد بالمدارس الفنية وتقريب فلسفاتها لهم و ألا تكون مجرد أداة للعرض فقط، فهذا من شأنه أن يرفع مستوى التثقيف الفني لدى المشاهد السعودي والعربي، بحيث تكون القناة فعلا للثقافة والتعليم كما يشي اسمها، لكن لابد للقناة الثقافية إن أرادت أن تكون شيئا مختلفا عن الموجود من مراعاة عدة أمور: أولهما أن السقف ينبغي أن يرتفع بما يتعلق بالحريات، خصوصاً فيما يتعلق بقضية التعبير عن الآراء و تبادل الأفكار، وثانيهما أنه ينبغي لها أن تحرص أن تكون شيئا أصيلا ليس على غرار مثال سابق فلا تفكر أن تكون نسخة مطورة من أي قناة أخرى ولا حتى البي بي سي بجلالة قدرها، وألا تكون مجرد ردة فعل لأن ردود الأفعال تخبو بمجرد أن يخبو الآخر أو أن يحبس في زاوية ردة الفعل في عين المشاهد فتقل قيمته و دوره، وثالثها : ضرورة الاهتمام بالكوادر العاملة في القناة، فكلنا مع سعودة الإعلام لكن السعودة وحدها لا تكفي، بل لابد منها إلى جوار التدريب والتجهيز والدورات التعليمية التي تتكفل بمثل هذا التطوير للكفاءات، رابعها أن قناة "الثقافية" ليست قناة تجارية لكن يجب عليها أن تكسر طبقة الرتابة المملة الموجودة في القنوات الرسمية باعتماد الإثارة المنضبطة المسؤولة فيما تقدمه، بحيث تكون شيئاً ممتعا ومحبب المتابعة، مع مصداقية تحقق الاحترام المطلوب، فالرتابة التي نشاهدها في القنوات غير التجارية تجعل من قضية المنافسة أمرا مستحيلاً ما لم يكسر هذا الحاجز، لا يمكن أن يتم جذب الجماهير بمواد باردة مستهلكة ومقدمي برامج يجتر الواحد منهم كلماته وكأنه مصاب بمغص، خصوصاً أن هناك أموالا طائلة تنفق على تطوير القنوات الرسمية ولكن لا شيء يتحقق على الأرض سوى تغيير في اللوغو لا يكلف عشر معشار ما ينفق في شهر، ختاماً: أتمنى كل التوفيق للقائمين على قناة "الثقافية" و نتمنى أن نرى منهم شيئاً جميلاً وانطلاقة قوية.