الإنسان مخلوق متوحش لا يعرف الرحمة إذا ما خضع للرغبة الوحشية للحصول على المال يبلغ ضغط الدم مداه حين أقرأ أخبار العلماء الذين يجرون الاختبارات العلمية على الفئران, ثم يبشروننا بأن التجربة الفلانية على الفئران قد أثبتت إمكانية تقوية عضلة القلب, أو أن التجربة العلانية على الفئران قد أثبتت إمكانية التقليل من جلطة القلب أو الكولسترول, ثم بعد نشر الخبر في الصحف لا نقرأ شيئا حقيقيا عن الموضوع, حتى بات أحدنا يتمنى لو أصبح فأر تجارب, لعل وعسى أن تنجح معه إحدى التجارب العلمية. لكن أن ينبعث أمل كاذب لدى المرضى بعد قراءتهم مثل هذه الأخبار العلمية, ثم لا يجد المرضى علاجا أو دواء, لهو من خيبة الظن, وفقدان الأمل لدى هؤلاء. وبصراحة لا أدري لماذا لا يجد هؤلاء العلماء سوى هذه الفئران البيضاء الجميلة? أما كان أجدى وأنفع لو أجريت التجارب على فئراننا الرمادية التي تخيف حتى القطط? فقد رأيت شخصيا قطا يهرب من أحد هذه الفئران " المتعافين " بسم الله ما شاء الله مما يجدونه في القمامة الخليجية. لقد كان أكبر حجما من القط! ومازلت أتذكر أنه قد تم إيقاف البعثة العلمية لأحد الزملاء في السبعينات من القرن الماضي لأن المشرف على رسالته رآه وهو " يقتل " الفأر الصغير الأبيض المسالم, يعني فأر التجارب, بالملعقة بضربه على أم رأسه, ففصله فورا, وقد تعجب زميلي قائلا: هل هذا الفأر من فصيلة نادرة ويخشى عليه من الانقراض? والله ما أكثرهم! لكن الانكليز قوم بهم جنون غير مبرر. فقلت له: أتدري أنهم فصلوك من البعثة لأنك " قتلت " الفأر بقسوة. كان لازم تستخدم القتل الرحيم. قال: يعني كيف? أقتله بالدغدغة مثلا? لا شك أن للعلماء مبرراتهم باستخدام الفأر الأبيض الناعم, كأنه من الجنس الثالث, في تجاربهم العلمية, لأنهم كما يقولون والعهدة على الراوي, إن هذا الفأر يشبه الإنسان بيولوجيا. وبالتالي فإن نجاح التجارب عليه أو فشلها يساعد على إمكانية تصنيع دواء نافع للإنسان في المستقبل. ولكن أتساءل: لماذا لا يفعل ذلك سوى العلماء الغربيين? لماذا لا يفعل ذلك مثلا العلماء الصينيون? وقال لي أحدهم: إن الصينيين لا يواجهون عوائق أخلاقية أو قانونية لاستخدام البشر. فلذلك يختصرون الطريق, ويدلل على صدق روايته بسهولة الحصول على قلب طبيعي لمن يريد استبدال قلبه, بأخذه من المحكوم عليهم بالإعدام, لأن أجسادهم تصبح ملكاً للدولة. لا شك أن هذا العمل لو صح, مرفوض أخلاقيا وإن كان يوفر الوقت وينقذ الأرواح, لأن الروادع القانونية والأخلاقية ضرورية جدا حتى لا ينجرف الإنسان وراء الكسب السريع والحرام. وكلنا قرأ عن العمليات الجراحية التي يتم من خلالها سرقة كلية المريض وهو لا يعلم. وقد قام الفنان نور الشريف بتمثيل فيلم رائع عن هذا الموضوع. في جميع الأحوال, تبقى قضية التجارب على الفئران الناعمة نعمة إلهية كبيرة للإنسان, وأن نضحي بفأر أفضل مليون مرة من التضحية بإنسان, فالتجارة بالأعضاء البشرية سوق واسعة, وهناك الملايين من البشر الذين على استعداد لبيع أجزاء من اجسادهم بسبب الفقر, وهناك مجرمون مستعدون لاختطاف الناس وقتلهم من أجل الحصول على أعضائهم. فالإنسان مخلوق متوحش لا يعرف الرحمة إذا ما خضع للرغبة الوحشية بالحصول على المال, وهناك من هو مستعد للدفع للحصول على قلب أو كلية أو عين. يمكننا القول إذن: لولا الفئران لهلك بنو الإنسان كاتب كويتي [email protected]