د. عمار بكار - الجزيرة على الرغم من الإمكانات غير العادية للإنترنت والتوقعات الطموحة جدا لخبراء التسعينيات، والذين قاموا بمئات الدراسات الاستراتيجية التي تم على أساسها استثمار المليارات في مواقع الإنترنت، إلا أن صناعة الإعلان كانت دائما اللغز الذي لم يفهمه هؤلاء الخبراء، فبالرغم من ملايين الزيارات التي تستقبلها المواقع ومجانية خدماتها وقدراتها المميزة مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى، ما زال المعلنون يفضلون وسائل الإعلام الكلاسيكية (التلفزيون والصحف) على الإنترنت. النتيجة كانت طبعا تراجع هذه الاستثمارات وشعور كثير من المواقع بأنها في مأزق مع تعود مستهلك الإنترنت على أن كل شيء في العالم الافتراضي يأتي مجانا. لهذا السبب كان الاستقبال الحافل لصناعة الإنترنت لتقرير جديد يعلن لأول مرة استقطاب مواقع الإنترنت لحجم إعلان يزيد على حجم الإعلان في قطاعات الإعلام الأخرى، بما فيها التلفزيون والصحف والمجلات وغيرها، وذلك في بريطانيا خلال النصف الأول من هذا العام 2009. هذه اللحظة تعد لحظة تاريخية في صناعة الإعلان، لأنها لحظة كان ينتظرها الكثيرون ممن راهنوا على الإنترنت، وقد جاءت متأخرة جدا بالنسبة لخبراء التسعينيات، وأيضا سريعة جدا لخبراء السنوات الأخيرة، ولكنها ''الأزمة الاقتصادية العالمية'' التي كان لها أثر كالسحر وأسهمت في هبوط مداخيل الإعلان التلفزيونية وارتفاع الاستثمار في الإعلان على الإنترنت، وذلك مع بحث المعلنين عن أساليب أقل تكلفة للإعلان، ومع نمو سرعة خدمات الإنترنت، ومع تطور مواقع الإنترنت بشكل عام من حيث الكفاءة التقنية ومن حيث المحتوى بشكل عام، الأمر الذي أسهم في ظهور شكل جديد ومحبوب من أشكال الإعلان على الإنترنت وهو الفيديو. لقد تفننت شركات الإعلان الغربية في السنوات الأخيرة في إنتاج فيديوهات إعلانية خاصة بالإنترنت، بحيث يتم تداولها بين الناس بالإيميل وعبر يوتيوب وفيسبوك ومختلف المواقع الأخرى، ولو ذهبت لموقع visiblemeasures.com ستجد قائمة تحدث أسبوعيا بأكثر الفيديوهات الإعلانية رواجا على شبكة الإنترنت، الأمر الذي سيكشف لك تقدما غير عادي في فهم المعلنين لاستخدامات الناس للإنترنت وقدرتهم على غزو هذه الاستخدامات بأفكارهم المبدعة. وحتى نتحدث بلغة الأرقام، بلغ حجم الإعلان على الإنترنت في بريطانيا خلال النصف الأول من هذا العام نحو 1.75 مليار جنيه استرليني، أي نحو ربع حجم السوق الإعلانية البريطانية، بينما اجتذبت قنوات التلفزيون إعلانات بقيمة إجمالية بلغت 1.64 مليار جنيه استرليني بانخفاض بلغ 17 في المائة مقارنة بالعام الماضي. إلا أن نظرة متفحصة لهذه الأرقام تكشف سرا قد لا يحمل أخبارا جيدة لمواقع الإنترنت، لأن 60 في المائة من حجم الإعلان على الإنترنت ذهب في الحقيقة لموقع جوجل ومواقع البحث الأخرى والإعلانات المبوبة، أي أنها ذهبت لإعلانات تهدف في النهاية لأن يجدها المتصفح في أي مكان دون أي قيمة للموقع نفسه، وهذا يعني أن استثمارات مواقع الإنترنت ما زالت في انتظار المزيد من النمو والنجاح، لأنها تحتاج إلى أن يعترف المعلن بقيمة موقع الإنترنت نفسه ومحتواه وجمهوره ومستخدميه، ولا يكون مهتما فقط بوضع رابط في أي مكان يحصل منه على زيارة لهذا الرابط. بلغة المعلنين، هذا النوع من الإعلانات القائم على الروابط لا يستهدف بناء الصورة الذهنية عن العلامة التجارية Branding، وهو الغرض الأهم من الحملات الإعلانية، التي ما زالت تجد في شاشة التلفزيون والصحف الملجأ الأفضل لها من شبكة الإنترنت. بكلمات أخرى، ما زالت الإعلانات عالية القيمة تذهب للتلفزيون والصحف، بينما الإعلانات الخدمية تذهب للإنترنت، وهذا الكلام ليس على إطلاقه، لكنه الجانب غير الممتلئ من كأس الإعلان على الإنترنت. باختصار، الإعلان على الإنترنت ينمو بسرعة، وهذه السرعة ينبغي أن تفتح أعين المستثمرين في الإنترنت من جديد، لأن التنافس الحاصل حاليا على السيطرة على حصة من كعكة الإنترنت سيشتد قريبا وتزداد تكلفته بلا شك. مبروك للإنترنت!