د. عمار بكار - الاقتصادية تقول إحصاءات أمريكية (منشورة في موقع متخصص في متابعة "انهيار" الصحف الأمريكية: http://graphicdesignr.net/papercuts) إن أمريكا شهدت أخيرا إغلاق 120 صحيفة يومية وأسبوعية، وإن هناك نحو 21 ألف شخص خسروا وظائفهم في الصحف في العامين الأخيرين. بالرغم من أن الأزمة الاقتصادية العالمية لها دور أساسي في الموضوع مع انخفاض الإنفاق الإعلاني، إلا أن الباحثين الإعلاميين يقولون إن الأمر مختلف هذه المرة، لأن أرقام الاشتراكات والتوزيع تعاني هي كذلك انخفاضا سريعا وحادا، وهذا أمر لا يحصل عادة حتى في الأزمات، لأن الناس عادة تتعامل مع الصحيفة والخبر على أنها أساسيات لا تتنازل عنها حتى في الأوقات الصعبة. بالمقابل هناك ازدياد مطرد لم يتأثر بالأزمة في عدد المشتركين في خدمات الإنترنت بأنواعها، بما في ذلك استقبال الإنترنت على الموبايل، بل إن إحدى الدراسات قامت باختيار عدد من المدن والقرى الأمريكية لتثبت أن هناك علاقة عكسية بين استخدام الإنترنت وقراءة الصحف، حيث نقصت الاشتراكات ومبيعات الصحف كلما زاد عدد ساعات استهلاك الإنترنت لدى السكان. هذه العلاقة العكسية تأتي خلاف توقعات كثير من الباحثين في التسعينيات، الذين كانوا يرون أن الصحافة الورقية والإنترنت ستتعايشان بطريقة أو بأخرى (كما تعايش التلفزيون والراديو)، لكن الأمر مختلف هذه المرة كما يبدو. هل يستحق الموقف لحظة حزن؟ بشكل عام لا، ببساطة لأن الأمر هو مجرد اختلاف وسيلة من ورق إلى شاشة كمبيوتر، فيما سيبقى الصحفي الجيد هو العملة الصعبة في الحالتين، وتبقى المادة الصحفية الجيدة هي ما يحتاج إليها الناس، ومعظم الصحف الكبيرة حول العالم أخذت احتياطاتها قبل سنوات من خلال تأسيس مواقع لها على الإنترنت وتأسيس جمهور لصحافتها الإلكترونية المجانية (رغم ما يستهلكه ذلك من استثمارات سنوية). من ناحية أخرى، فإن الموقف سيكون له سلبيته في دول العالم الثالث مثل الدول العربية حيث لم تتأسس لدى الناس عادات القراءة وما زال عدد من يقرأ قليلا جدا، وكانت الصحف هي الأمل في ربط عيون عموم الناس بالحرف المقروء. على الإنترنت تمثل القراءة جزءا فقط مما يمكن للإنسان أن يفعله، إضافة لمشاهدة الفيديوهات والتواصل الاجتماعي مع الناس والاستمتاع بمحاسن التكنولوجيا. في الغالب لن يصبح شخص بدأت عاداته الثقافية من خلال الإنترنت قارئا نهما، وهذا له آثاره السلبية إذا وافقتني بأن القراءة المركزة المكثفة النهمة هي الأسلوب الوحيد لخلق إنسان مثقف وقادر على التعاطي الواعي مع التغيرات في مجتمعه. الصحافة الورقية قد لا تستحق الإنقاذ لأن للإنترنت ميزاته الكثيرة، وهو يقدم المادة نفسها في النهاية، لكن القراءة في بلادنا تستحق الإنقاذ، ومستقبل الصحفيين المميزين الذين تزخر بهم الصحف يستحق الإنقاذ، والاقتصاد المبني على الصحف الورقية يستحق الإنقاذ. هناك الكثير مما يمكن فعله، ولكن الحل لن يأتي إلا من داخل أروقة الصحف نفسها، وهي فيما يبدو لم تجد الحل السحري بعد للمشكلة. الحل يحتاج إلى تفكير مشترك بين الصحف ومديري مواقعها على الإنترنت والمعلنين، الذين قد يجدون في النهاية صيغة تكفل استمرار الصحف في تلبية احتياجات القراء والمعلنين على الورق وعلى الإنترنت في آن واحد. مقال واحد لن يعالج المشكلة بل يعلق الجرس فقط..