حينما تتبوأ المرأة منصباً قيادياً تعوّل عليها النساء، في أن تكون صوتاً حراً تنطق بالحق من خلال مقعدها، ومن منصبها تدعم بنات جنسها، هذه ليست بتجربة واحدة بل هي تجارب عديدة وكثيرة لمستها بنفسي حينما واتتني الفرصة للاطلاع على عدد ليس بالقليل من التجارب النسائية، خصوصاً تجارب النساء في المواقع القيادية، وهؤلاء النساء هن المعَول عليهن، ففي حال خذلن بنات جنسهن فلن تكون المطالبة بتعيين امرأة في منصب قيادي ذات معنى، من هذه النماذج التي التقيتها ووقفت على مشوارها، (نزهة الصقلي) وزيرة شؤون المرأة والأسرة في المغرب، هذه السيدة يشهد لها التاريخ بمشوار طويل في المطالبة بحقوق المرأة، وكان لها دور فاعل بشهادة عدد من المغربيات للخروج بمدونة الأسرة، هذه المدونة التي عملت عليها المغربيات سنوات طويلة وأثمر جهدهن وتعبهن عن هذه المدونة التي هي مجموعة من القوانين الرامية لحفظ كافة حقوق المرأة وصيانة كرامتها، ومع أن (نزهة الصقلي) حصلت على منصب (وزيرة) إلا أنها مستمرة في المُضي بطريق العمل في سبيل رفعة المرأة ونصرة قضاياها. وعن تجربة ليست ببعيدة، التقيت الأسبوع الماضي، ب(ماريا كارافانيا) وهي وزيرة تكافؤ الفرص في إيطاليا، لفتت نظري أثناء حضوري أول مؤتمر دولي تخصصه إيطاليا لمناهضة العنف ضد المرأة، هذه السيدة كانت تتحرك طوال أيام المؤتمر وتعمل بنفسها وتقدم وتشارك وتفصح عن أمنياتها أن يكون عالمنا خالياً من العنف ضد النساء، بل إنها تعهدت وعلى العلن ومن خلال موقعها القيادي أن تعمل على هذا بكل ما أوتيت من قوة وبكل ما لديها من جهد، ولن تبخل على نساء العالم بما لديها، لفتت نظري فعلاً هذه الوزيرة، وسألت عنها صديقتي الصحافية الإيطالية (فالنتينا كولمبو) إن كانت هذه المرأة صادقة؟ أكدت لي أن هذه الوزيرة تتحرك بنفسها لمتابعة كل الأمور، لأنها لديها الإيمان الحقيقي بنصرة قضايا المرأة. التقيت أيضاً بعدد من الوزيرات، مثل: (مشيرة خطاب) وزيرة الأسرة والإسكان في مصر، و(حُسن بانو) وزيرة شؤون المرأة في أفغانستان، و(خلود آل معجون) وزيرة المحافظات في العراق، والتقيت طوال هذه السنوات مع عدد ليس بالقليل من النساء القياديات في دول عربية وغربية، ووجدت أن كل هذه التجارب جديرة بالاهتمام والنظر إلى ما تثمر عنه، معظم تلك النساء اللاتي التقيت بهن حصلن على مناصب قيادية بجهد وتعب ومشوار طويل، والمنصب القيادي بالنسبة لهن هو وسيلة وليس غاية، هو وسيلة لتحقيق النماء في مجتمعاتهن، ووسيلة لمناصرة المرأة التي ينبغي أن تكون شريكاً فعالاً في مسيرة النماء، هذه هي الوسيلة التي من خلالها تعمل المرأة في المنصب القيادي؛ إذ إنه لو كان (غاية) فلن يحقق إلا نتيجة واحدة هي فوز صاحبة الموقع بالمقعد، ويكون النجاح لها وحدها، بل إن هذا النجاح قد يكون في بعض الأحيان عالة على المرأة وضد طموحات نساء البلد اللاتي يرجين من المرأة القيادية أن تكون صوتاً لهن لا عليهن. هنا أردت التذكير، أن مطالبتنا لوصول نساء إلى المقاعد القيادية ليس (شكلياً) بل هي مطالبة أن يكون هناك تمثيل حكومي لصوت المرأة، وفي حين وصلت لهذا المنصب وصارت (ضد) بنات جنسها فهنا تكون الكارثة..! وهنا لا بد أن يكون لنا حراك مُنظم لإسقاط هذه المرأة التي في معظم الأحوال ستكون ضدنا، وهذا مالا ننتظره إذا كنا مدركين لحقيقة أهمية وصول المرأة للمنصب. ما لم تعلمه بعض النساء، أن المطالبة بوصول المرأة إلى المواقع القيادية هو في حقيقته مطالبة لأن يكون على هذا المقعد صوت مسموع للمرأة، وما سردته من تجارب ليست ببعيدة أتمنى أن تضعها كل امرأة عربية وصلت لمقعد قيادي أو - ستصل - هو: أن جلوسك على هذا المقعد هو عبارة عن تمثيل (لنا) وليس مجداً شخصياً (لكِ)، إن النجاح هو نجاح جماعي والفشل فردي، إن مقعدك هو وسيلة لنا وليس غاية لكِ، وفي حال اختلفت الموازين فاعذرينا كنساء سنكون ضدك، لأن المطالبة بالحقوق ليست تذمراً بل هي أمر واجب على كل من هُضم حقه أن يطالب به، وأمر واجب على كل ذات صوت مسموع، وكل إعلامية حتى وإن كانت حاصلة على حقوقها أن تقف إلى جانب زميلاتها، ونحن بالنهاية كما يقول المثل العامي: (قال صفوا صفين.. قالوا احنا اثنين) فعلاً، على الرغم من السنوات الطويلة التي قضتها المرأة السعودية في العمل الإعلامي - على سبيل المثال - إلا أن وجودها لا يزال على الحافة، ولم تقف بعد على طريق مستو، فهي تشق طريقها وتجتهد وتكدح من أجل أن تثبت وجودها وتحصل على مقعد آمن يضمن لها الاستمرارية ويحقق لها النجاح، وبالفعل، السعوديات في هذا المجال أثبتن أنفسهن وقطعن أشواطاً سريعة، تكاد تكون أسرع من الوقت لإثبات كفاءتهن. مع كل هذا، وبعد أن واتتني الفرصة للاطلاع على عدد من التجارب النسائية، خصوصاً تجارب النساء في المواقع القيادية، يمكنني أن أقول إن هؤلاء النساء هن المعول عليهن، و في حال خذلن بنات جنسهن فلن تكون المطالبة بتعيين امرأة في منصب قيادي ذات معنى.