د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري - الاقتصادية سؤال خطر في بالي ونحن نعيش روحانية شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي جعله الله، سبحانه وتعالى، محطة سنوية للتزود الديني الروحي على مدار ثلاثين يوما وليلة صيام وقيام وقراءة للقرآن وتدبر لمعانيه ورسالته وتوجيهاته المباركة، هذا الشهر الذي يمثل محطة مهمة في رحلة المسلم السنوية للتزود بكل خير، وكما جعل الله، سبحانه وتعالى، خمس صلوات يومية وغيرها من العبادات من صيام وتفكر ويوم أسبوعي هو يوم الجمعة للتزود الأسبوعي بالطاعات كل هذه المراحل الزمنية اليومية والأسبوعية والشهرية تهدف بشكل أساسي إلى ارتباط الإنسان المسلم بدينه وجعله جزءاً أساسياً من سلوكه اليومي وعمله الدائم وعلاقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بحيث لا يمكن الفصل بين الدين والعمل اليومي والمصالح العامة والخاصة ولهذا حذر المصطفى، عليه الصلاة والسلام، من الرهبنة في الإسلام، وأكد، عليه الصلاة والسلام، على أن المؤمن العامل أحب إلى الله من المؤمن العابد، كما أن الله، سبحانه وتعالى، جعل من الصلاة الأداة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. كل هذه وغيرها كثير تؤكد على أهمية الارتباط العضوي والنفسي بين الدين والحياة العامة بكل متطلباتها. هذه المقدمة فقط للدخول إلى عمق السؤال المطروح كعنوان لهذه المقالة وهو ''هل نحن مجتمع علماني؟''، قبل الاستعجال والرد على السؤال أو مهاجمة الكاتب دعونا نفكر بشيء من العقلانية والصدق والشفافية الذاتية مع النفس، كم واحد منا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر والبغي وأكل أموال الناس بالباطل والنميمة والحقد والغيرة وغيرها من السلوكيات التي نهى عنها الإسلام، كم واحد منا دفعه دينه لاحترام ساعات عمله وإنجاز ما أوكل إليه من عمل ولم يجعل عمله وسيلة للسرقة والاحتيال والاستغلال الشخصي، كم واحد منها فهم المعنى الصحيح للشهادتين وعمل بمقتضاهما، كم واحد منها أدى الصلاة بخشوع وخرج من المسجد وهو أقوى إيمانا، هل دقتنا في مواعيد الإفطار والصلاة انعكست على احترام مواعيدنا الأخرى؟ هل انضباطنا في الصلاة واقتداؤنا بالإمام انعكس على انضباطنا في حياتنا العامة والاقتداء بالإمام. شهر رمضان الكريم أصبح وللأسف الشديد لكثير منا شهر نوم في النهار ومتابعة للأفلام والمسلسلات والمسابقات الربوية في الليل، عودوا إلى حجم البرامج والأفلام والمسلسلات التي تعرض في شهر رمضان وقارنوها ببقية الأشهر، عودوا إلى ما يتم عرضه وستجدون أن شهر رمضان أصبح هو شهر العرض الأول لأغلب إن لم يكن لكل الأفلام والمسلسلات والمسابقات، ثم تأتي الأشهر الأخرى ليتم إعادة تلك الأفلام والمسلسلات خلالها. ربما يقول أحدكم إن الإعلام هو سبب هذه المشكلة واسمحوا لي أن أقول لكم إن الإعلام لو لم يجد الرغبة الشديدة من المشاهد خلال هذا الشهر لما اهتم بهذا التركيز وخير مثال على ذلك أنه لو تم مقاطعة هذه الأفلام والمسلسلات والمسابقات خلال شهر رمضان لرأينا كيف تتغير الخريطة الإعلامية والإعلانية، ولهذا يدخل شهر رمضان ويخرج ونحن وللأسف الشديد أقل روحانية وارتباطا بديننا، وبهذا نفقد فرصة سنوية للتزود بالغذاء الروحي، ونخرج من هذا الشهر مفلسين. وهنا أعود إلى سؤالي هل نحن مجتمع علماني؟ !! العلمانية في أبسط معانيها فصل الدين عن الحياة العامة بمعنى يرتبط الإنسان بربه في العبادة فقد يؤدي الصلاة والصيام دون أن تنعكس على سلوكه وعمله ودون أن تؤثر في تعامله مع الآخرين وتكون رادعا له عن تجاوز ما حرم الله، سبحانه وتعالى، لأن الأساس في العبادات هو التواصل الدائم والمستمر والمتلازم بينها وبين العمل والحياة العامة والخاصة، وعندما يفصل الدين عن الحياة العامة والخاصة ويصبح الدين عبادة شكلية فقط لا يردع الإنسان عن التجاوز يقال له في هذه الحالة إنه علماني والعلمانية تنطبق على الأفراد والدول عندما تفصل بين الدين والحياة أو الدولة الممثلة لكل الأنظمة والشرائع والقوانين، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن فصل الفرد دينه عن عمله أخطر من انفصال الدولة، لأن الفرد هو الأساس والمنظم للقوانين والأنظمة وحياة الشعوب. بعد هذا الإيضاح البسيط والمباشر لمفهوم العلمانية دعوني أعود إلى سؤالي عنوان المقالة ''هل نحن مجتمع علماني؟!! ''، وسأطلب من كل من يقرأه قبل الإجابة أن يعيد التفكير فيما نحن فيه من حياة وسلوك وعلاقة بين ديننا الإسلامي وأعمالنا اليومية ومدى تأثير الدين في الدنيا، أي بمعنى واضح إلى أي درجة يؤثر شهر رمضان فينا بعد نهايته، كم واحد منا يعيد النظر في سلوكه اليومي وعلاقاته الاجتماعية والعملية والاستثمارية وفي كل القطاعات الحكومية والخاصة والأكاديمية والقضائية والتجارية والفردية؟ وإلى أي درجة يتحسن الأداء بعد الشهر الفضيل أو بعد صلاة الجمعة أو بعد كل صلاة أو قراءة القرآن. لقد طرحت هذا السؤال وترددت في ذلك كثيراً ولكن الذي دعاني لطرحه ما شاهدت من تسابق محموم بين القنوات لإلهائنا وإلهاء أبنائنا وبناتنا عن استثمار واستغلال أوقاتهم في هذا الشهر الفضيل، وأيضاَ التطور المتسارع لعدد القنوات وبرامجها خلال السنوات القليلة الماضية، وتركيزها على المشاهد السعودي بشكل خاص وخلال الفترة التي تسبق الفطور بساعة وحتى صلاة الفجر بحيث لا تعطي المشاهد فرصة لومضة عين بعيدا عن الشاشات، وأثر تلك البرامج السلبي في التفرغ للعبادة، ولهذا دعوا عباداتنا من صلاة وصيام وقيام ودعاء تنعكس على سلوكنا العملي والاجتماعي والاقتصادي والديني حتى ننفي عنا تهمة العلمانية أو الوقوع فيها بغير قصد وهذا هو الأخطر. أسأل الله، سبحانه وتعالى، لنا جميعاً صياما وقياما ودعاء مقبولا وألا يجعلنا ممن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله.