د. أحمد بن صالح الزهراني - الاسلام اليوم يظنّ البعض أنّ عجزه عن تحقيق شيء ما هو الفشل.. أو هو سبب الفشل.. وكلاهما خطأ.. لأنّ مفهومنا عن العجز خطأ أصلاً.. لا يوجد حيّ عاجز.. العجز الحقيقي هو الموت.. وأمّا الحي فغير عاجز.. هناك عجز نسبيّ.. نعم فهذه سنّة الحياة، أستطيع القيام بما يعجز عنه عمرو، ويقدر عمرو على ما أنا عاجز عنه.. لذا فالفشل يحدث عندما أتوجّه بكل طاقتي وإرادتي نحو ما أنا حقاً عاجز عنه.. ولا أفكر في تغيير المسار وتجربة شيء جديد.. فأحاول في تخصص مثلاً فإذا عجزت قعدت وادّعيت العجز.. وهو خطأ. إذا عجزت عن تخصص ما فلن تعجز عن تخصص آخر.. وإذا عجزت عن العلم النظري فلن تعجز عن العمل والاحتراف.. صدقني أنت غير عاجز.. تستطيع شيئاً ما لكن عليك أن تفكر ملياً، وأن تستشير الآخرين عن شيء تحسنه وتبدع فيه.. عليك فقط ألاّ تحصر اختياراتك.. بل وسّعها ومدّدها واكتسب لها المرونة بعيداً عن تعقيدات المجتمع والأسرة.. مادمت واثقاً من أنّك في حيّز المباح شرعاً فلا يوقفنّك شيء.. وللعجز وجه آخر هو عدم بذل الممكن، والتوقف وعدم الاستمرار.. اقرأ هذه الوصية الّتي وجّهها النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأحد أصحابه: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احرصْ على ما ينفعك، واستعنْ بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقلْ: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قلْ: قدر الله، وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان». لا تعجز..؟ عجيب هذا النهي؟ وهل العجز فعل إرادي فداك نفسي يا رسول الله حتى تنهاني عنه؟ نعم .. هذه هي الرسالة التي يسوقها لك الحديث سوقاً.. العجز في كثير من الأحيان وفي كثير من حالاته فعل الإنسان.. فعل ينتج عن عجز الروح والنفس، عن أن تستعين بالله لعمل ما.. وتحقيق هدف ما.. أمّا الظن بأنّ فقد الحواس أو بعضها ينقل الإنسان إلى فئة العجز فهذا وهم.. كم من ضرير حقق ما لم يحققه مبصر..!! وكم من مقعد وصل إلى ما لم يصل إليه ذو قدمين صحيحتين..!! كثيرا ما أتذكر الشيخ أحمد ياسين.. مؤسس حركة حماس. لعل أغلبنا رآه.. لقد كان من حيث الصورة هيكلاً لا يستطيع أن يزيح ذبابة عن وجهه.. وهي قمة العجز في نظر كثير منا... فماذا فعل أحمد ياسين.. لقد عاش ومات بعبعاً يقض مضاجع اليهود في فلسطين..!! أسّس للجهاد على أرض فلسطين، وتناسلت قياداته وأعماله لتكوّن كياناً ضخماً أصبح مقلقاً ليس لليهود فحسب بل للعالم الغربي برمّته.. لا علينا الآن من هذا الكيان صوابه من خطئه.. فلسنا بهذا الصدد. المهم أنّنا أمام صورة تنسف معاني العجز الّتي نعرفها نسفاً.. كان أحمد ياسين روحاً جبّارة.. لم يكن ذلك العجوز العاجز.. وحتى تعرف حجم هذا الرجل وقوته وسطوته انظر كيف اغتال اليهود عجوزاً مقعداً مشلولاً.. بصاروخ لو ضرب حائطاً مسلحاً لهدّه.. وكأني بمطلق الصاروخ لم يكن يرمي لتمزيق جسد متهالك.. وإنما لاختراقه وتحيطم كتلة صخرية يراها قابعة خلف ذلك الجسد تعجز عنها طلقات الرصاص.. إنّها روحه ونفسه وإرادته .. كان العدو يراها شيئاً كبيراً ضخماً لا يناسبه إلاّ الصواريخ.. ولعمري لقد صدق -وهو كذوب- تناثرت أشلاء أحمد ياسين.. وتناثرت معها حجج الكسالى العاجزين.. الفاشلين حقاً..