مشاري بن صالح العفالق - اليوم بشيء من الأسى أتذكر يوم خرج المصلون من أحد مساجد الأحساء في شهر رمضان المبارك على صوت مدو ليجدوا رجلا ممددا على إسفلت الشارع تبين فيما بعد أنه حاول الانتحار كان الأمر صدمة .. مشهدٌ آخر عندما نشرنا تحقيقا في هذه الصحيفة حول ملابسات وفاة سعوديٍ وجد معلقا في مروحة غرفة أحد فنادق البحرين ونشرت القصة كاملةً في هذه الصحيفة. الصدمة لم تقف هنا إلا مؤقتاً ، حينما وجدت قبل أيام أول إحصاء من مصدر حكومي يشير إلى أن حالات الانتحار في السعودية سنويا بين 221 و 323 بينما محاولات الانتحار الموثقة تفوق هذا العدد ، وفي العام 1426 ه وحده بلغت حالات الانتحار 226 حالة منها 100 حالة لسعوديين رجالا ونساءً فيما بلغ إجمالي ضحايا الانتحار مع المقدمين عليه 604 حالات والعدد في ازدياد حسب المصدر ومحاولات الانتحار التي تخفى أضعاف هذا العدد. دعوني أخرج قليلا عن الحالة السعودية فنحن بصدد ظاهرة عالمية تصاعدت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة على مستوى العالم ومن هذا العالم الدول الخليجية والعربية لاسيما المهتمة بإعلان الأرقام بشفافية. لا أعتقد أن وجه الغرابة في الموت وهو كما نعلم نهاية الحياة الأكيدة ولا في قرار شخص ما أن يزهق روحه بيده فمشاهير العالم الذين طاولوا سلم الشهرة ولمسوا آفاق النجاح وتمرغوا في لذة الأموال ومتع الحياة انتهت حياتهم بالانتحار.. الروائي الأمريكي الأشهر وصاحب جائزة نوبل في الأدب الإنساني «أرنست همنجواي» والكاتب الأمريكي المشهور «دايل كارينجي» صاحب الكتب الرائعة والأعلى مبيعاً «دع القلق وابدأ الحياة» وكتاب «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» غير أن أفكاره لم تسعفه والتي يتشبث بها الكثيرون في طرد القلق ليقرر الانتحار أخيرا. الفنان الهولندي الشهير (فان جوخ) والذي بدأ حياته قسيسا ثم احترف الرسم لتباع لوحته الشهيرة «زهور عباد الشمس» بستين مليون دولار قرر تفجير جمجمته ببندقية بعد أن سئم الحياة، أما اليونانية «كريستينان أوناسيس» وريثة أثرى رجل في العالم حين ذاك أصابها اكتئاب مزمن لم تجد معه الثروات والترف.. ومنها إلى «مارلين مونرو» نجمة السينما الأمريكية الأكثر شهرة عالمياً والتي طالما افتخرت بكونها المرأة الأكثر إثارة في العالم حتى أن الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي لم يقاوم سحرها ودخل مع أخيه روبرت في سباق عليها لتنتهي الأسطورة التي لا تزال صورها الأكثر بيعا إلى الآن إلى التهام كميات كبيرة من الحبوب المنومة بعد أن ملأ القلق والكآبة حياتها .. الرئيس الألماني المغامر «هتلر» ومثله «ادوارد جون سميث» ، قبطان السفينة الشهيرة «تايتنيك» قررا الانتحار أيضا هربا من العار .. العديد من نجوم الغناء والتمثيل والحياة السياسية والاجتماعية في العالم الغربي والعربي أيضا لم يجدوا أنفسهم ولا سعادتهم في النفوذ والمال والجاه ولم تقدم لهم متع الحياة أكثر مما قدمت للأسماء السابقة لتنتهي حياتهم بنيران ذاتية. أعود إلى الواقع السعودي حيث أنهت قبل أيام باحثة سعودية دراسة حول انتحار السعوديات في مدينة الرياض ، تشير إلى أن النساء في المملكة أقدمن على 110 محاولات انتحار في عام واحد راح ضحيتها 19 حالة وفي العام الأخير الذي شملته الدراسة تناقص العدد إلى 6 تم الإعلان عن وفاتهن غير أن المقلق أن 80% من المنتحرات سعوديات. السؤال هنا أما آن لنا أن نصارح أنفسنا حول المفاهيم التي نتداولها للتأكد من أنها مفاهيم اجتماعية تتلاءم مع واقع المجتمع وتحدياته وتبث فيه روح الطموح وحب الحياة والثقة والإيمان بالله الذي يتمثل في المعاملة مع النفس والآخرين؟ ثم ألسنا في حاجة إلى دراسة للأرقام الكبيرة من الانتحار وأسبابها بشكل أوسع وأكثر صراحة وجرأة؟ تقول الباحثة فوزية العنزي : «يتضح من هذه الإحصائيات أن الانتحار ومحاولة الانتحار مشكلة موجودة بالفعل في مجتمع الإناث داخل مدينة الرياض تستحق الدراسة خاصة أننا في مجتمع إسلامي يدين هذه الظاهرة ويحرمها ويكون جزاء فاعلها النار، قال تعالى : {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}».. الصدمة كبيرة .. وللحديث بقية..